على ما زعم القوم ، لم يرد إيمان أبي طالب ، بل أراد كفره ، وأراد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إيمانه ، فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي المرسل والمرسل.
فكأنّه سبحانه يقول على مقتضى اعتقادهم : إنّك يا محمّد تريد إيمانه ، ولا أريد إيمانه ، ولا أخلق فيه الإيمان ، مع تكفّله بنصرتك ، وبذل مجهوده في إعانتك والذبّ عنك ، ومحبّته لك ، ونعمته عليك. وتكره أنت إيمان وحشي ، لقتله عمّك حمزة ، وأنا أريد إيمانه ، وأخلق في قلبه الإيمان.
وأيضا قالوا : إنّ أبا طالب قال عند موته : يا معشر بني هاشم أطيعوا محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وصدّقوه تفلحوا وترشدوا.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عمّ تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم ، وتدعها لنفسك؟ قال : فما تريد يا ابن أخي؟
قال : أريد منك كلمة واحدة ، فإنّك في آخر يوم من أيّام الدنيا ، أن تقول : لا إله إلّا الله ، أشهد لك بها عند الله.
قال : يا ابن أخي قد علمت أنّك لصادق ، ولكنّي أكره أن يقال : خرع (١) عند الموت. ولولا أن تكون عليك وعلى بني إسرائيل غضاضة ومسبّة بعدي لقلتها ، ولأقررت بها عينك عند الفراق ، لما أرى من شدّة وجدك ونصيحتك ، ولكنّي سوف أموت على ملّة الأشياخ : عبد المطّلب وهاشم وعبد مناف.
ونحن ذكرنا في سورة الأنعام (٢) أنّ أهل البيت عليهمالسلام قد أجمعوا على أنّ أبا طالب مات مسلما ، وتظاهرت الروايات بذلك عنهم. وأوردنا هناك طرفا من أشعاره الدالّة على تصديقه للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتوحيده ، فإنّ استيفاء جميعه لا تتّسع له الطوامير.
__________________
(١) خرع الرجل : ضعف رأيه بعد قوّة.
(٢) راجع ج ٢ ص ٣٧٦.