ولمّا تقدّم ذكر الرسول والقرآن ، وأنّه أنزل هدى للخلق ، بيّن سبحانه أنّه ليس عليه الاهتداء ، وإنّما عليه البلاغ والأداء ، فقال :
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) هدايته ، أي : لا تقدر أن تدخل في الإسلام كلّ من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم ، لأنّك عبد لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره. وهم الّذين لا تنفع الألطاف فيهم ، لأنّهم رسخوا في الكفر ، وصمّموا عليه عنادا ولجاجا ، وإنكارا واستكبارا ، مع أنّهم عارفون بحقيقة الإسلام. وقيل : من أحببته لقرابته.
والمراد بالهداية هنا اللطف الّذي يختار العبد عنده الإيمان ، فإنّه لا يقدر عليه إلّا الله تعالى.
وقيل : المراد بها الإجبار على الاهتداء ، أي : أنت لا تقدر على ذلك.
(وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يدخل في الإسلام من يشاء. وهم الّذين علم أنّهم غير مطبوع على قلوبهم ، وأنّ الألطاف تنفعهم ، فيقرن بهم ألطافه حتّى تدعوهم إلى القبول. وهم الّذين استعدّوا له ، واسترشدوا الحقّ. قيل : يهدي به من يشاء على وجه الإجبار. (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) بالمستعدّين لذلك.
واعلم أنّ أهل السنّة قالوا : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يحبّ إسلام أبي طالب ، فنزلت هذه الآية. وكان يكره إسلام وحشي قاتل حمزة ، فنزل فيه (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) (١). فلم يسلم أبو طالب ، وأسلم وحشي.
وهذا كلام ضعيف ، وقول ركيك ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يجوز أن يخالف الله سبحانه في إرادته ، كما لا يجوز أن يخالفه في أوامره ونواهيه. وإذا كان الله تعالى
__________________
(١) الزمر : ٥٣.