ولمّا كان عادة المعاند المحجوج العدول عن المحاجّة إلى التهديد بعد الانقطاع والإلزام (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) قيل : كان دهريّا اعتقد أنّ من ملك قطرا ، أو تولّى أمره بقوّة طالعه ، استحقّ العبادة من أهله.
واللام في «المسجونين» للعهد ، أي : ممّن عرفت حالهم في سجوني ، فإنّه كان يطرحهم في هوّة بعيدة العمق ، لا يبصرون فيها ولا يسمعون ، فكان ذلك أشدّ من القتل ، ولذلك آثر هذا القول على : لأسجنّنك.
ولمّا توعّده بالسجن (قالَ) موسى عليهالسلام : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) الواو للحال ، دخلت عليها همزة الاستفهام بعد حذف الفعل. والمعنى : أتفعل ذلك بي ولو جئت بشيء مبين؟ أي جائيا بشيء ظاهر أو مظهر يبين صدق دعواي. يعني : المعجزة ، فإنّها الجامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته ، والدلالة على صدق مدّعي نبوّته.
(قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في أنّ لك بيّنة. أو في دعواك أتيت به ، فإنّ مدّعي النّبوة لا بدّ له من حجّة. فحذف الجزاء ، لأن الأمر بالإتيان به يدلّ عليه.
(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) ظاهر ثعبانيّته. واشتقاق الثعبان من : ثعبت الماء فانثعب ، إذا فجّرته فانفجر.
روي : أنّها انقلبت حيّة ارتفعت في السماء قدر ميل ، ثمّ انحطّت مقبلة إلى فرعون ، وجعلت تقول : يا موسى مرني بما شئت ، ويقول فرعون : أسألك بالّذي أرسلك إلّا أخذتها ، فأخذها فعادت عصا.
وقيل : إنّ فرعون لمّا رأى هذه الآية قال : فهل غيرها؟ قال موسى : نعم (وَنَزَعَ يَدَهُ) وأخرج يده من كمّه أو جيبه (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) بياضا مفرط اللمعان والشعاع كالشمس (لِلنَّاظِرِينَ) إليها بحيث يكاد يغشي الأبصار ، ويسدّ الأفق ، لفرط أشعّته.
(قالَ لِلْمَلَإِ) للأشراف من قومه مستقرّين (حَوْلَهُ) فهو ظرف وقع موقع