على فارس ، لامتناع الكذب عليه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أكثر أهل مكّة ، وهم كفّارهم (لا يَعْلَمُونَ) وعده ، ولا صحّة وعده ، لجهلهم ، وعدم تفكّرهم.
ثمّ ذمّهم الله تعالى بأنّهم بصراء بأمور الدنيا ، يعلمون منافعها ومضارّها على الوجه الأتمّ ، وبله (١) في أمر الدين ، فقال : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ما يشاهدونه منها ، فيبلغون في التجارات وأنواع المكاسب أبلغ المراتب ، فيتمتّعون بزخارفها وملاذّها. وعن الحسن : بلغ من علم أحدهم بدنياه أنّه يقلّب الدرهم على ظهره ، فيخبرك بوزنه ، وينقره (٢) بإصبعه ، فيعلم أردئ هو أم جيّد؟ وما يحسن أن يصلّي.
(وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ) الّتي هي غايتها والمقصود منها (هُمْ غافِلُونَ) لا تخطر ببالهم. و «هم» الثانية تكرير للأولى. أو مبتدأ ، و «غافلون» خبره ، والجملة خبر «هم» الأولى. وهو على الوجهين مناد على تمكّن غفلتهم عن الآخرة ، المحقّقة لمقتضى الجملة المتقدّمة المبدلة من قوله : «لا يعلمون» تقريرا لجهالتهم ، وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعض ظاهرها ، فإنّ من العلم بظاهرها معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وأفعالها وأسبابها ، وكيفيّة صدورها منها ، وكيفيّة التصرّف فيها. ولذا قال «ظاهرا» بالتنكير. وأمّا باطنها ، فإنّها مجاز إلى الآخرة ، ووصلة إلى نيلها ، وأنموذج لأحوالها. وإشعارا بأنّه لا فرق بين عدم العلم ، والعلم الّذي يختصّ بظاهر الدنيا.
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ
__________________
(١) بله بلها : ضعف عقله وعجز رأيه. فهو أبله. وجمعه : بله.
(٢) أي : يضربه.