وقالوا : إذا انقطع القطر عميت دوابّ البحر. وعن الحسن المراد بالبحر قرى السواحل.
وأصل البرّ من البرّ ، لأنّه يبرّ بصلاح المقام فيه. وكذلك البرّ ، لأنّه يبرّ بصلاح الغذاء أتمّ صلاح. وأصل البحر الشقّ ، لأنّه شقّ في الأرض ، ثمّ اتّسع استعماله ، فسمّي الماء الملح بحرا وإن قلّ.
وقيل : فساد البرّ ما يحصل فيه من المخاوف المانعة من سلوكه ، ويكون ذلك بخذلان الله أهله ، والعقاب به. وفساد البحر اضطراب أمره ، حتّى لا يكون للعباد متصرّف فيه.
(بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) بشؤم كسب معاصيهم. وعن مجاهد : ظهر الفساد في البرّ بقتل ابن آدم أخاه ، وفي البحر بأنّ جلندى (١) كان يأخذ كلّ سفينة غصبا.
(لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) بعض جزائه ، فإنّ تمامه في الآخرة. واللام للعلّة ، أو للعاقبة. وعن ابن كثير ويعقوب : لنذيقهم بالنون. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عمّا هم عليه.
ثمّ أكّد تسبّب المعاصي لغضب الله ونكاله ، حيث أمرهم بأن يسيروا في الأرض فينظروا آثار تدميرهم ، فقال :
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) كيف أهلك الله الأمم ، وأذاقهم سوء العاقبة لمعاصيهم ، بأن جعل قصورهم قبورهم ، ومحاضرهم مقابرهم ، لتشاهدوا مصداق ذلك ، وتتحقّقوا صدقه. و (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) استئناف للدلالة على أنّ سوء عاقبتهم كان لفشوّ الشرك وغلبته فيهم. أو على أنّ الشرك وحده لم يكن سبب تدميرهم ، وأنّ ما دونه من المعاصي يكون أيضا سببا له.
__________________
(١) اسم ملك عمان.