(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) البليغ الاستقامة ، الّذي لا يتأتّى فيه عوج أصلا.
والمعنى : لا تعدل عنه يمينا ولا شمالا ، فإنّك متى فعلت ذلك أدّاك إلى طريق مستقيم إلى الجنّة.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) لا يقدر أن يردّه أحد. وهو يوم القيامة. وقوله : (مِنَ اللهِ) متعلّق بـ «يأتي» أي : من قبل أن يأتي من الله يوم لا يردّه أحد. ويجوز أن يتعلّق بـ «مردّ» لأنّه مصدر على معنى : لا يردّه الله ، لتعلّق إرادته القديمة بمجيئه.
(يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) يتصدّعون ، أي : يتفرّقون ، فريق في الجنّة ، وفريق في السعير. كما قال : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي : وباله. وهو النار المؤبّدة. (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) يسوّون ويوطّئون لأنفسهم في الجنّة ما يسوّيه لنفسه الّذي يمهّد فراشه ويوطّئه ، لئلّا يصيبه في مضجعه ما ينغّص عليه مرقده ، من نتوء (١) وسائر ما يؤذي الراقد. يقال : مهّدت لنفسي خيرا ، أي : هيّأته ووطّأته.
روى منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنّ العمل الصالح ليسبق صاحبه إلى الجنّة ، فيمهّد له كما يمهّد لأحدكم خادمه فراشه».
وتقديم الظرف في الموضعين ، للدلالة على أنّ ضرر الكفر لا يعود إلّا على الكافر لا يتعدّاه ، ومنفعة الإيمان والعمل الصالح ترجع إلى المؤمن لا تتجاوزه.
(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) علّة لـ «يمهدون» أو لـ «يصّدّعون». والاقتصار على جزاء المؤمنين ، للإشعار بأنّه المقصود بالذات. (مِنْ فَضْلِهِ) متعلّق بفعل الجزاء ، أي ليجزيهم ممّا يتفضّل عليهم بعد توفية الواجب من الثواب. وهذا يشبه الكناية ، لأنّ الفضل تبع للثواب ، فلا يكون إلّا بعد حصول ما هو تبع له. أو أراد : من عطائه ، وهو ثوابه ، لأنّ الفضول والفواضل هي الأعطية عند العرب.
__________________
(١) أي : ارتفاع.