ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحقّ العبادة في شيء ، كما تقول للتاجر : ما مالك؟ وأنت تعلم أنّ ماله الرقيق ، ثمّ تقول : الرقيق جمال وليس بمال.
(قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) مقيمين على عبادتها. وحقّ الجواب أن يقتصروا على قولهم : «أصناما» فحسب ، لأنّ «ما تعبدون» سؤال عن المعبود فقط ، لكن أطالوا الجواب بشرح أحوالهم معه ، إظهارا لما في نفوسهم من الابتهاج والافتخار. وإنّما قالوا : نظلّ ، لأنّهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل. وقيل : «نظلّ» بمعنى : ندوم.
(قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) يسمعون دعاءكم؟ فحذف ذلك لدلالة قوله : (إِذْ تَدْعُونَ) عليه. ومعناه : هل يستجيبون دعاءكم إذا دعوتموهم؟ ومجيئه مضارعا مع «إذ» على حكاية الحال الماضية استحضارا لها. ومعناه : استحضروا الأحوال الماضية الّتي كنتم تدعونها فيها ، وقولوا : هل سمعوا؟ وهو أبلغ في التبكيت.
(أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ) إذا عبدتموهم (أَوْ يَضُرُّونَ) إن تركتم عبادتهم. وفي هذا بيان أنّ الدّين إنّما يثبت بالحجّة ، ولو لا ذلك لم يحاجّهم إبراهيم عليهالسلام هذا الحجاج.
(قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) أضربوا عن أن يكون لهم سمع ، أو يتوقّع منهم ضرّ أو نفع ، والتجؤا إلى التقليد.
(قالَ) إبراهيم منكرا عليهم التقليد (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ) الّذي كنتم (تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) فإنّ التقدّم والأوّليّة لا يكون برهانا على الصحّة ، ولا ينقلب به الباطل حقّا. وإنّما دخل لفظ «كان» لأنّه جمع بين الحال والماضي.
(فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) يريد أنّهم أعداء لعابديهم ، من حيث إنّهم يتضرّرون من جهتهم فوق ما يتضرّر الرجل من جهة عدوّه. أو أنّ المغري بعبادتهم أعدى أعدائهم ، وهو الشيطان. لكنّه صوّر الأمر في نفسه ، على معنى : أنّي فكّرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدوّ الّذي هو الشيطان ، فاجتنبتها وآثرت عبادة