من الخير كلّه منه. وأراهم بهذا القول أنّه نصيحة نصح بها نفسه ، تعريضا لهم ، فإنّه أنفع في النصح من التصريح ، وإشعارا بأنّها نصيحة بدأ بها نفسه ، فيكون أدعى إلى القبول.
وإنّما جمع الأصنام جمع العقلاء ، لما وصفها بالعداوة التي لا تكون إلّا من العقلاء. أو المراد عبّاد الأصنام مع الأصنام عدوّ لي ، لأنّه غلّب ما يعقل. وإفراد العدوّ لأنّه في الأصل مصدر.
(إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) استثناء منقطع ، كأنّه قال : لكن ربّ العالمين. أو متّصل على أنّ الضمير لكلّ معبود عبدوه ، وكان من آبائهم من عبد الله.
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) لأنّه يهدي كلّ مخلوق لما خلق له من امور المعاش والمعاد ، كما قال : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (١) هداية مدرّجة من مبدأ إيجاده إلى منتهى أجله ، يتمكّن بها من جلب المنافع ودفع المضارّ. مبدؤها بالنسبة إلى الإنسان هداية الجنين إلى امتصاص دم الطمث من الرحم ، وبعد الخروج إلى معرفة الثدي عند الولادة ، وإلى كيفيّة الارتضاع ، وغير ذلك من هدايات المعاش. ثمّ هداه بتوفيق في المعرفة والطاعة إلى طريق الجنّة والتنعّم بلذائذها.
والفاء للسببيّة إن جعل الموصول مبتدأ ، وللعطف إن جعل صفة «ربّ العالمين». فيكون اختلاف النظم لتقدّم الخلق واستمرار الهداية.
وقوله : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) على الأوّل مبتدأ محذوف الخبر ، لدلالة ما قبله عليه. وكذا اللّذان بعده. وتكرير الموصول على الوجهين للدلالة على أنّ كلّ واحدة من الصلات مستقلّة باقتضاء أنّه هو المعبود دون ما سواه. والمعنى : هو يرزقني بما أتغذّى به.
(وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) عطف على (يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) لأنّه من
__________________
(١) الأعلى : ٣.