روادفهما ، من حيث إنّ الصحّة والمرض في الأغلب يتبعان المأكول والمشروب.
وإنّما لم ينسب المرض إليه ، بأن قال : أمرضني ، لأنّ مقصوده تعديد النعم. ولا ينتقض بإسناد الإماتة إليه بعده ، لأنّ الموت من حيث إنّه لا يحسّ به لا ضرر فيه ، وإنّما الضرر في مقدّماته ، وهي المرض. ثمّ إنّه لأهل الكمال وصلة إلى نيل الحياة الأبديّة والسعادة السرمديّة ، الّتي تستحقر دونها الحياة الدنيويّة ، وخلاص من أنواع المحن والبليّات. ولأنّ المرض في غالب الأمر إنّما يحدث بإفراط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه ، ومن ثمّ قال الحكماء : لو قيل لأكثر الموتى : ما سبب آجالكم؟ لقالوا : التخم (١). وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الحمية (٢) رأس كلّ دواء ، والبطنة رأس كلّ داء».
أو لما بين الأركان والأخلاط من التنافي والتنافر ، والصحّة إنّما تحصل باستحفاظ اجتماعها والاعتدال المخصوص عليها قهرا ، وذلك بقدرة العزيز الحكيم. والمعنى : فهو يفعل بي ما يصحّ عنده بدني.
(وَالَّذِي يُمِيتُنِي) بعد أن كنت حيّا (ثُمَّ يُحْيِينِ) يوم القيامة بعد أن أكون ميّتا.
(وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) ذكر ذلك انقطاعا إلى الله ، وهضما لنفسه ، وتواضعا منه ، وتعليما للامّة أن يجتنبوا المعاصي ، ويكونوا على حذر منها ، ويطلبوا المغفرة ممّا يفرط منهم ، فإنّ الأنبياء صلّى الله عليهم معصومون منزّهون من الخطايا والآثام ، لما برهن في علم الكلام ، وانعقد إجماع الطائفة الحقّة ـ وهم الإماميّة ـ عليه ، ونقل عن أئمّتنا عليهمالسلام. فاستغفارهم إنّما هو محمول على تواضعهم لربّهم ، وهضمهم لأنفسهم ، وتعليمهم لأمّتهم. وعلّق المغفرة بيوم الدين ،
__________________
(١) التخم جمع التخمة. وهي : الداء يصيب الإنسان من الطعام الوخيم.
(٢) الحمية : الاسم من : حمى المريض إذا منعه عمّا يضرّه. والبطنة : الامتلاء المفرط من الأكل.