في الأحوال المختلفة ، والتغيير من هيئة ، إلى هيئة ، وصفة إلى صفة ، مع إمكان غيره ، أظهر دليل وأعدل شاهد على الصانع العليم القدير.
ثمّ بيّن سبحانه حال البعث ، فقال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) القيامة. سمّيت بها ، لأنّها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا ، أو لأنّها تقع بغتة. وصارت علما لها بالغلبة ، كالكوكب للزهرة والنجم للثريّا.
(يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا) أي : يحلفون ما مكثوا في الدنيا ، أو في القبور ، أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث. وفي الحديث : «ما بين فناء الدنيا إلى وقت البعث أربعون». قالوا : لا نعلم أهي أربعون سنة ، أم أربعون ألف سنة ، أم أيّام ، أم ساعات؟ وذلك وقت يفنون فيه. (غَيْرَ ساعَةٍ) استقلّوا مدّة لبثهم إضافة إلى مدّة عذابهم في الآخرة ، أو نسيانا.
(كَذلِكَ) مثل ذلك الصرف عن الصدق والتحقيق ، وقولهم على التخمين (كانُوا يُؤْفَكُونَ) يصرفون في الدنيا ، وهكذا كانوا يبنون أمرهم على خلاف الحقّ.
ثمّ أخبر عن علماء المؤمنين من الملائكة والإنس في ذلك اليوم ، فقال : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) في علم الله ، أو قضائه ، أو فيما كتبه لكم ، أي : أوجبه بحكمته ، أو في اللوح ، أو القرآن. وهو قوله : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ) (١). (إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ).
ردّوا بذلك ما قاله الكفّار وحلفوا عليه ، وأطلعوهم على الحقيقة. ثمّ وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم : (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) الّذي أنكرتموه (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أنّه حقّ ، لتفريطكم في طلب الحقّ واتّباعه. والفاء لجواب شرط محذوف ، تقديره : إن كنتم منكرين البعث فهذا يومه ، أي : فقد تبيّن بطلان إنكاركم.
__________________
(١) المؤمنون : ١٠٠.