(فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر (مَعْذِرَتُهُمْ) أي : لا يمكّنون من الاعتذار ، ولو اعتذروا لم يقبل عذرهم. وقرأ الكوفيّون بالياء ، لأنّ المعذرة بمعنى العذر ، أو لأنّ تأنيثها غير حقيقيّ ، وقد فصل بينهما. (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يطلبون إلى ما يقتضي إعتابهم ، أي : إزالة عتبهم ، من التوبة والطاعة ، كما دعوا إليه في الدنيا. من قولهم : استعتبني فلان فأعتبته ، أي : استرضاني فأرضيته.
(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) ولقد وصفنا لهم فيه بأنواع الصفات الّتي هي في غرابتها كالأمثال ، مثل صفة المبعوثين يوم القيامة ، وما يقال لهم وما يقولون ، وما لا يكون لهم من الانتفاع بالمعذرة والاستعتاب. أو بيّنّا لهم من كلّ مثل يدعوهم إلى التوحيد والبعث وصدق الرسول.
ثمّ أخبر عن عناد القوم وتكذيبهم بالإيمان ، فقال : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) من آيات القرآن ، أو معجزة باهرة ممّا اقترحوها منك (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) من فرط عنادهم ، وقساوة قلوبهم (إِنْ أَنْتُمْ) يعنون الرسول والمؤمنين (إِلَّا مُبْطِلُونَ) مزوّرون.
(كَذلِكَ) مثل ذلك الطبع (يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) لا يطلبون العلم ، ويصرّون على خرافات اعتقدوها ، فإنّ الجهل المركّب يمنع إدراك الحقّ ، ويوجب تكذيب المحقّ. ومعنى طبع الله : منع الألطاف الّتي ينشرح لها الصدور حتّى تقبل الحقّ. وإنّما يمنعها من علم أنّها لا تجدي عليه ، ولا تغني عنه كما يمنع الواعظ الموعظة من يتبيّن له أنّ الموعظة تلغو ولا تنجع فيه. فوقع ذلك كناية عن قسوة قلوبهم ، وركوب الصدأ والرين إيّاها. فكأنّه قال : كذلك تقسو وتصدأ قلوب الجهلة ، حتّى يسمّوا المحقّين مبطلين ، وهم أعرق خلق الله في تلك الصفة.