وإن تفاوتت إلى حسن وأحسن ، كما قال : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (١).
وقيل : علم كيف يخلقه قبل أن خلقه ، من غير أن يعلمه أحد. من قولهم : قيمة المرء ما يحسنه. وحقيقته : يحسن معرفته ، أي : يعرف معرفة حسنة بتحقيق وإيقان. و «خلقه» مفعول ثان.
وقرأ نافع والكوفيّون بفتح اللام على الوصف. فالشيء على الأوّل مخصوص بمنفصل ، أي : حسّن كلّ شيء خلقه خلقه. وعلى الثاني بمتّصل.
(وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ) يعني : آدم (مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) ذرّيّته. سمّيت به لأنّها تنسل منه ، أي : تنفصل منه وتخرج من صلبه. (مِنْ سُلالَةٍ) أي : الصفوة الّتي تنسل من غيرها. ويسمّى ماء الإنسان سلالة ، لانسلاله من صلبه. (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) ممتهن ضعيف. «من» الأولى ابتدائيّة ، والثانية بيانيّة. أشار سبحانه إلى أنّه من شيء حقير لا قيمة له ، وإنّما يصير ذا قيمة بالعمل.
(ثُمَّ سَوَّاهُ) قوّمه بتسوية أعضائه على ما ينبغي ، كقوله : (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٢).
(وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) أضافه إلى ذاته ، تشريفا له ، وإشعارا بأنّه خلق عجيب لا يعلم كنهه إلّا هو ، كقوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) (٣) الآية. كأنّه قال : ونفخ فيه من الشيء الّذي اختصّ هو به وبمعرفته ، إيذانا بأنّ له شأنا له مناسبة مّا إلى الحضرة الربوبيّة ، ولأجله قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه».
ثمّ قال سبحانه مخاطبا لذرّيّته : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) لتسمعوا المسموعات
__________________
(١) التين : ٤.
(٢) التين : ٤.
(٣) الإسراء : ٨٥.