جميلا ، وحسن صيت ، وقبولا عامّا في الّذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة. فأجاب الله تعالى دعاءه ، فما من أمّة من الأمم إلّا ويثنون عليه ، ومحبّون له. والعرب تضع اللسان موضع القول على الاستعارة ، لأنّ القول يكون بها ، وكذلك يسمّون اللغة لسانا.
وقيل : معناه : واجعل لي ولد صدق في آخر الأمم من ذرّيّتي ، يجدّد أصل ديني ، ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه من التوحيد ، وهو محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) من الّذين يرثون الفردوس في الآخرة. وقد مرّ (١) معنى الوراثة فيها.
(وَاغْفِرْ لِأَبِي) لوليّ نعمتي وتربيتي بالهداية (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) الذاهبين عن الصواب في اعتقاده. ووصفه بأنّه ضالّ يدلّ على أنّه كان كافرا كفر جهل لا كفر عناد. وقد ذكرنا الوجه في استغفار إبراهيم لأبيه في سورة التوبة (٢).
(وَلا تُخْزِنِي) ولا تفضحني ولا تعيّرني بتقصيري في أوامرك. واشتقاقه إمّا من الخزي ، وهو الهوان. أو من الخزاية ، وهي الحياء. (يَوْمَ يُبْعَثُونَ) الضمير للعباد ، لأنّهم معلومون ، أي : يوم يحشر الخلائق كلّهم. وهذا الدعاء كان منه أيضا على وجه الانقطاع إلى الله ، لما بيّنّا أنّ القبيح لا يجوز وقوعه من الأنبياء.
ثمّ فسّر ذلك اليوم بقوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) أي : لا ينفعان أحدا ، إذ لا يتهيّأ لذي مال أن يفتدي من شدائد ذلك اليوم بماله ، ولا يتحمّل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه.
(إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أي : لا ينفعان أحدا إلّا مخلصا سليم القلب عن الكفر وميل المعاصي. أو لا ينفعان إلّا مال من هذا شأنه وبنوه ، حيث أنفق ماله في
__________________
(١) راجع ج ٤ ص ١٩٤ ، ذيل الآية ٦٣ من سورة مريم.
(٢) راجع ج ٤ ص ١٤٤ و ١٧٣ ، ذيل الآية ٨٠ و ١١٣.