سبيل الخير ، وأرشد بنيه إلى الحقّ ، وحثّهم على البرّ ، وقصد بهم أن يكونوا عبادا لله مطيعين ، شفعاء له يوم الدين.
وقيل : الاستثناء من قبيل قوله : تحيّة بينهم ضرب وجيع (١). وبيانه أن يقال لك : هل لزيد مال وبنون؟ فتقول : ماله وبنوه سلامة قلبه. تريد نفي المال والبنين عنه ، وإثبات سلامة القلب له بدلا عن ذلك.
وإن شئت حملت الكلام على المعنى ، وجعلت المال والبنين في معنى الغنى.
كأنّه قيل : يوم لا ينفع غنى إلّا غنى من أتى الله بقلب سليم ، لأنّ غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه ، كما أنّ غناه في دنياه بماله وبنيه.
ولك أن تجعل الاستثناء منقطعا. والمعنى : أنّ المال والبنين لا ينفعان ، ولكن سلامة القلب عن الكفر والمعاصي وسائر آفاته ينفع صاحبه.
وقيل : معناه : إلّا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين.
وقيل : القلب السليم الّذي سلم وسلّم وأسلم وسالم واستسلم.
وعن الصادق عليهالسلام : «هو القلب الّذي سلم من حبّ الدنيا».
وإنّما خصّ القلب بالسلامة ، لأنّه إذا سلم سلمت سائر الجوارح من الفساد ، من حيث إنّ الفساد بالجارحة لا يكون إلّا عن قصد بالقلب الفاسد.
وما أحسن ما رتّب إبراهيم عليهالسلام كلامه مع المشركين ، حين سألهم أوّلا عمّا يعبدون سؤال مقرّر لا مستفهم. ثمّ أقبل على آلهتهم فأبطل أمرها ، بأنّها لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، على تقليدهم آباءهم الأقدمين. فأخرجه من أن يكون شبهة ، فضلا عن أن يكون حجّة.
ثمّ صوّر المسألة في نفسه دونهم ، حتّى تخلّص منها إلى ذكر الله عزوجل ، فعظّم شأنه ، وعدّد نعمته من لدن خلقه وإنشائه إلى حين وفاته ، مع ما يرجى في الآخرة
__________________
(١) لعمرو بن معد يكرب. وصدره : وخيل قد دلفت لها بخيل.