ولمّا كان هؤلاء المؤمنين يقطعهم اشتغالهم بالصلاة والدعاء عن طيب المضجع ، لانقطاعهم إلى الله تعالى ، فآمالهم مصروفة إليه ، واتّكالهم في كلّ الأمور عليه ، بيّن سبحانه مثوبتهم العظمى ، ومرتبتهم العليا عنده الّتي لا يعلم أحد كنهها إلّا هو ، فقال :
(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) ممّا تقرّ به عيونهم ، ومن الثواب العظيم الّذي ادّخره الله لأولئك ، وأخفاه الله من جميع خلائقه ، لا يعلمه إلّا هو. وقرأ حمزة ويعقوب : أخفي ، على أنّه مضارع : أخفيت.
وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، بله (١) ما أطلعتهم عليه ، اقرؤا إن شئتم : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ).
والعلم بمعنى المعرفة. و «ما» موصولة ، أو استفهاميّة معلّق عنها الفعل.
(جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : جزوا جزاء. أو أخفى للجزاء ، فإنّ إخفاءه لعلوّ شأنه. وقيل : هذا لقوم أخفوا أعمالهم ، فأخفى الله ثوابهم.
(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) خارجا عن الإيمان (لا يَسْتَوُونَ) في الشرف والمثوبة. تأكيد وتصريح. والجمع للحمل على المعنى ، كما أنّ ضمير الإفراد في «كان» محمول على اللفظ. ونحوه قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) (٢).
ثمّ فسّر عدم الاستواء بقوله : (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) يأوون إليها ، فإنّها المأوى الحقيقي ، والدنيا منزل مرتحل عنها لا محالة.
__________________
(١) بله اسم فعل مبنيّ على الفتح ، مثل : كيف. ومعناه : دع واترك. ويقال : معناه : سوى.
(٢) محمّد : ١٦.