«نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور».
(وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) هم الملائكة ، وكانوا ألفا. بعث الله عليهم ريحا باردة ، فقلعت أوتادهم ، وقطعت أطنابهم ، ونزعت فساطيطهم ، وأطفأت نيرانهم ، وكبّت (١) قدورهم ، فماجت الخيل بعضها في بعض ، وكبّرت الملائكة في جوانب العسكر. فقال طليحة بن خويلد الأسدي : أمّا محمد فقد بدأكم بالسحر ، فالنجاء (٢) النجاء. فانهزموا من غير قتال.
(وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من حفر الخندق. وقرأ البصريّان بالياء ، أي : بما يعمل المشركون ، من التحزّب والمحاربة. (بَصِيراً) رائيا ، فيجازي كلّهم على وفق أعمالهم.
وتفصيل هذه القصّة برواية محمد بن كعب القرظي ، وغيره من أصحاب السير والتواريخ : أنّ نفرا من اليهود ، منهم سلام بن أبي الحقيق ، وحييّ بن أخطب ، في جماعة من بني النضير الّذين أجلاهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، خرجوا حتّى قدموا على قريش بمكّة ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقالوا : إنّا سنكون معكم عليهم حتّى نستأصلهم.
فقالت لهم قريش : يا معشر اليهود! إنّكم أهل الكتاب الأوّل ، فديننا خير أم دين محمّد؟
قالوا : بل دينكم خير من دينه ، فأنتم أولى بالحقّ منه. فهم الّذين أنزل الله فيهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) إلى قوله : (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) (٣). فسرّ قريشا ما قالوا ، ونشطوا لمّا دعوهم إليه ، فأجمعوا لذلك واستعدّوا
__________________
(١) كبّ الإناء : قلبه على رأسه ليصبّ ما فيه.
(٢) النجاء : الخلاص. يقال : النجاء النجاء أي : أسرع أسرع.
(٣) النساء : ٥١ ـ ٥٥.