فرقى سلمان حتّى أتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو مضروب عليه قبّة ، فقال : يا رسول الله! خرجت صخرة بيضاء من الخندق ، فكسرت حديدنا ، وشقّت علينا حتّى ما يحكّ (١) فيها قليل ولا كثير ، فمرنا فيها بأمرك.
فهبط رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع سلمان في الخندق ، وأخذ المعول (٢) ، فضرب به ضربة ، فلمعت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها (٣) يعني : لابتي المدينة ، حتّى لكأنّ مصباحا في جوف الليل مظلم. فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تكبيرة فتح ، فكبّر المسلمون. ثمّ ضرب ضربة اخرى ، فلمعت برقة اخرى. ثمّ ضرب به الثالثة ، فلمعت برقة اخرى.
فقال سلمان : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، ما هذا الّذي رأيت؟
فقال : أمّا الأولى ، فإنّ الله عزوجل فتح عليّ بها اليمن. وأمّا الثانية ، فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها الشام والمغرب. وأمّا الثالثة ، فإنّ الله عزوجل فتح عليّ بها المشرق.
فاستبشر المسلمون بذلك ، وقالوا : الحمد لله على موعود صادق.
قال : وطلعت الأحزاب ، فقال المؤمنون : هذا ما وعدنا الله ورسوله. وقال المنافقون : ألا تعجبون! يحدّثكم ويعدكم الباطل ، يخبركم أنّه يبصر في يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنّها تفتح لكم ، وأنتم تحفرون الخندق ، ولا تستطيعون أن تبرزوا.
وممّا ظهر فيه أيضا من آيات النبوّة ، ما رواه أبو عبد الله الحافظ بالإسناد عن عبد الواحد بن ايمن المخزومي ، قال : حدّثني أيمن المخزومي ، قال : حدّثني جابر
__________________
(١) أي : لا يعمل ولا يؤثّر فيها.
(٢) المعول : أداة لحفر الأرض.
(٣) اللابة : الحرّة. وهي الأرض ذات الحجارة السود.