فناداه : يا كعب! افتح لي.
فقال : ويحك يا حييّ! إنّك رجل مشؤوم ، إنّي قد عاهدت محمّدا ، ولست بناقض ما بيني وبينه ، ولم أر منه إلّا وفاء وصدقا.
قال : ويحك! افتح لي اكلّمك.
قال : ما أنا بفاعل.
قال : إن أغلقت إلّا على حشيشة تكره أن آكل منها معك. ففتح له.
فقال : ويحك يا كعب! جئتك بعزّ الدهر وببحر طام (١) ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها ، وبغطفان على سادتها وقادتها. عاهدوني أن لا يبرحوا حتّى يستأصلوا محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن معه.
فقال كعب : جئتني والله بذلّ الدهر ، بجهام (٢) قد هراق ماؤه ، يرعد ويبرق وليس فيه شيء ، فدعني ومحمّدا وما أنا عليه ، فلم أرمن محمّد إلّا صدقا ووفاء.
فلم يزل حييّ يكلّمه ليليّنه في نقض العهد. فنقض عهده ، وبرىء ممّا كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فلمّا علم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم غدره في العهد ، ونقضه في الميعاد ، قال : الله أكبر.
وعظم عند ذلك البلاء ، واشتدّ الخوف على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وأتاهم عدوّهم من فوقهم ، ومن أسفل منهم ، حتّى ظنّ المؤمنون كلّ ظنّ ، وظهر النفاق من بعض المنافقين.
فأقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأقام المشركون عليه بضعا وعشرين ليلة ، لم يكن بينهم قتال إلّا الرمي بالنبل. إلّا أنّ فوارس من قريش ، منهم عمرو بن عبدودّ ، أخو بني عامر بن لؤيّ ، وعكرمة بن أبي جهل ، وضرار بن الخطّاب ، وهبيرة بن أبي
__________________
(١) أي : ممتلئ.
(٢) الجهام : السحاب لا ماء فيه.