وحكى الله سبحانه هذه القصّة إجمالا بقوله : (إِذْ جاؤُكُمْ) بدل من «إِذْ جاءَتْكُمْ» (مِنْ فَوْقِكُمْ) من أعلى الوادي ، من قبل المشرق. وهم بنو غطفان وقريظة والنضير. (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) من أسفل الوادي ، من قبل المغرب ، من ناحية مكّة. وهم قريش. وكانوا متحزّبين ، وقالوا : سنكون جملة واحدة حتّى نستأصل محمّدا.
(وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) مالت عن مستوى نظرها ومقرّها ، حيرة وشخوصا ودهشة. وقيل : عدلت عن كلّ شيء ، فلم تلتفت إلّا إلى عدوّها ، لشدّة الروع.
(وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) رعبا ، فإنّ الرئة تنتفخ من شدّة الروع والفزع أو الغضب أو الغمّ الشديد ، فتربو ويرتفع القلب بارتفاعه إلى رأس الحنجرة ، وهي منتهى الحلقوم ، وهو مدخل الطعام والشراب. ومن ثمّ قيل للجبان : انتفخ سحره ، أي : رئته. ويجوز أن يكون ذلك مثلا في اضطراب القلوب ووجيبها (١) وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة.
قال أبو سعيد الخدري : قلنا يوم الخندق : يا رسول الله هل من شيء نقوله ، فقد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : قولوا : اللهمّ استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا. قال : فقلناها ، فضرب وجوه أعداء الله بالريح ، فهزموا.
(وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) الأنواع من الظنّ. فظنّ المخلصون الثبّت القلوب والأقدام ، أنّ الله منجز وعده في إعلاء دينه ، أو ممتحنهم. فخافوا الزلل وضعف الاحتمال. وظنّ الضعاف القلوب والمنافقون أن يستأصل المسلمون ، على ما حكى الله عنهم.
والألف مزيدة في الوقف ، زادوها في الفاصلة تشبيها للفواصل بالقوافي. وقد أجرى نافع وابن عامر وأبو بكر فيها الوصل مجرى الوقف. ولم يزدها أبو عمرو
__________________
(١) وجب القلب وجيبا : رجف وخفق.