فأحبّ إتمام بيت المقدس ، فجمع الجنّ والشياطين ، وقسّم عليهم الأعمال ، يخصّ كلّ طائفة منهم بعمل. فأرسل الجنّ والشياطين في تحصيل الرخام والمها (١) الأبيض الصافي من معادنه. وأمر ببناء المدينة من الرخام والصفّاح (٢) ، وجعلها اثني عشر ربضا ، وأنزل كلّ ربض منها سبطا من الأسباط.
ولمّا فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد ، فوجّه الشياطين فرقا ، فرقة يستخرجون الذهب واليواقيت من معادنها ، وفرقة يقلعون الجواهر والأحجار من أماكنها ، وفرقة يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب ، وفرقة يأتونه بالدرّ من البحار. فأتي من ذلك بشيء لا يحصيه إلّا الله تعالى. ثمّ أحضر الصنّاع ، وأمرهم بنحت تلك الأحجار حتّى صيّروها ألواحا ، وبمعالجة تلك الجواهر واللآلئ.
وبنى سليمان المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر ، وعمده (٣) بأساطين المها الصافي ، وسقّفه بألواح الجواهر ، وفضّض (٤) سقوفه وحيطانه باللآلئ واليواقيت والجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروزج. فلم يكن في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر.
قال سعيد بن المسيّب : لمّا فرغ سليمان من بناء بيت المقدّس ، تغلّقت أبوابه ، فعالجها سليمان فلم تنفتح ، حتّى قال في دعائه : بصلوات أبي داود إلّا فتحت
__________________
(١) المها جمع المهاة : البلّورة.
(٢) الصفّاح : الحجارة العريضة الرقيقة. والربض : سور المدينة ، وكلّ ما يؤوى ويستراح إليه من أهل وقريب ومال وبيت ونحو ذلك ، أو ما حول المدينة من بيوت ومساكن.
(٣) عمد السقف : أقامه بعماد ودعمه.
(٤) فضّض الشيء : موّهه أو رصّعه بالفضّة.