وَالْأَرْضِ).
ثمّ أمره بأن يتولّى الاجابة والإقرار عنهم ، فقال : (قُلِ اللهُ) أي : قل في الجواب : يرزقكم الله ، إذ لا جواب سواه.
وفيه إشعار بأنّهم إن سكتوا عنادا ، أو تلعثموا (١) في الجواب مخافة الإلزام ، فهم مقرّون به بقلوبهم. يعني : أنّهم مع علمهم بصحّة ذلك قد أبوا أن يتكلّموا به ، لأنّ الّذي تمكّن في صدورهم من العناد وحبّ الشرك ، قد ألجم أفواهم عن النطق بالحقّ. ولأنّهم إن تفوّهوا بأنّ الله رازقهم ، لزمهم أن يقال لهم : فما لكم لا تعبدون من يرزقكم ، وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق؟! فكأنّهم كانوا يقرّون بألسنتهم مرّة ، ومرّة كانوا يتلعثمون عنادا ، وحذرا من إلزام الحجّة.
(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) وإنّ أحد الفريقين ، من الموحّدين المتوحّد بالرزق والقدرة الذاتيّة بالعباد ، والمشركين به الجماد النازل في أدنى المراتب الإمكانيّة (لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) لعلى أحد الأمرين ، من الهدى والضلال الواضح. وهو بعد ما تقدّم من التقرير البليغ الدالّ على من هو على الهدى ، ومن هو في الضلال ، أبلغ من التصريح ، لأنّ هذا في صورة كلام المنصف المسكت للخصم المشاغب. ونحوه قول الرجل لصاحبه : قد علم الله الصادق منّي ومنك ، وإن أحدنا لكاذب. ومنه بيت حسّان (٢) :
أتهجوه ولست له بكفء |
|
فشرّكما لخيركما الفداء |
وقيل : إنّه على اللفّ والنشر. وفيه نظر.
واختلاف الحرفين ، لأنّ صاحب الحقّ كأنّه مستعل على فرس جواد يركضه حيث يشاء ، أو صاعد على منار ينظر الأشياء ويتطّلع عليها. والضالّ كأنّه منغمس
__________________
(١) تلعثم في الجواب : توقّف فيه وتأنّى.
(٢) ديوان حسّان (طبعة دار صادر) : ٩.