في ظلام مرتبك (١) فيه ، لا يدري أين يتوجّه ، أو محبوس في مطمورة لا يستطيع أن يتفصّى (٢) منها.
(قُلْ) يا محمّد إذا لم ينقادوا للحجّة (لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بل كلّ إنسان يسأل عمّا يفعله ، ويجازى على فعله ، دون فعل غيره. وهذا أدخل في الإنصاف ، وأبلغ في الإخبات (٣) من الأوّل ، حيث أسند الإجرام إلى أنفسهم ، والعمل إلى المخاطبين. وفيه دلالة على أنّ أحدا لا يجوز أن يؤخذ بذنب غيره.
ثمّ أمر سبحانه أن يحاكمهم إلى الله ، لإعراضهم عن الحجّة ، فقال :
(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) يوم القيامة (ثُمَّ يَفْتَحُ) يحكم ويفصل (بَيْنَنا بِالْحَقِ) بأن يدخل المحقّين الجنّة ، والمبطلين النار (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) الحاكم الفصل في القضايا المغلقة (الْعَلِيمُ) بما ينبغي أن يقضي به.
ثمّ استفسر عن شبهتهم ، بعد إلزام الحجّة عليهم ، زيادة في تبكيتهم ، فقال :
(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) لأرى بأيّ صفة ألحقتموهم بالله في استحقاق العبادة. أراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله ، وأن يقايس على أعينهم بينه وبين أصنامهم ، ليطلعهم على إحالة القياس إليه ، والإشراك به.
(كَلَّا) ردع لهم عن المشاركة بعد إبطال المقايسة ، كما قال إبراهيم : (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (٤) ، بعد ما حجّهم.
__________________
(١) ارتبك في الأمر : وقع فيه ، ولم يكد يتخلّص منه.
(٢) أي : يتخلّص.
(٣) أي : في التخشّع والاطمينان.
(٤) الأنبياء : ٦٧.