ولأجل توغّلهم في لذائذ النعمة ، والانهماك في الشهوات النفسانيّة ، ضمّوا التهكّم والتفاخر إلى التكذيب ، فقالوا : (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ).
ثمّ صرّح بهذا المعنى ، فقال : (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) فنحن أولى بما تدعونه إن أمكن (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) لأنّه أكرمنا بذلك ، فلا يهيننا بالعذاب.
فقاسوا أمر الآخرة الموهومة أو المفروضة عندهم على أمر الدنيا ، واعتقدوا أنّهم لو لم يكرموا على الله تعالى لما رزقهم ، ولو لا أن المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم.
فأبطل الله حسبانهم ، بأنّ الرزق فضل من الله ، يقسّمه كما يشاء على حسب ما يراه من المصالح والحكم ، فقال :
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) ويضيّق لمن يشاء ، فربما وسّع على العاصي وضيّق على المطيع ، وربما عكس ، وربما وسّع عليهما وضيّق عليهما ، فلا يقاس عليه أمر الثواب الّذي مبناه على الاستحقاق.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فيظنّون أنّ كثرة الأموال والأولاد لشرفهم وكرامتهم عند الله ، وكثيرا ما يكون للاستدراج ، كما قال : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) قربة ، فإنّه اسم للمصدر. وذكر «الّتي» دون «اللائي» إمّا لأنّ المراد : وما جماعة أموالكم ولا جماعة أولادكم. أو لأنّها صفة محذوف ، كالخصلة.
(إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) استثناء من مفعول «تقرّبكم» أي : الأموال والأولاد لا تقرّب أحدا إلّا المؤمن الصالح الّذي ينفق ماله في سبيل الله ، ويفقّه ولده في الدين ، ويعلّمه الخير.
(فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) هذه الإضافة إضافة المصدر إلى المفعول. وأصله : لهم أن يجاوزا الضعف إلى عشر فما فوقه ، فإنّ الضعف اسم جنس يدلّ على القليل والكثير.