(وَأَنِ اعْبُدُونِي) عطف على «أَنْ لا تَعْبُدُوا» (هذا) إشارة إلى ما عهد إليهم ، أو إلى عبادة الله (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) إلى الجنّة. والجملة استئناف لبيان المقتضي للعهد بشقّيه ، أو بالشقّ الآخر. والتنكير للمبالغة والتعظيم ، أي : صراط بليغ في استقامته ، جامع لكلّ شرط يجب أن يكون عليه. أو للتبعيض ، فإنّ التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم.
ثمّ رجع إلى بيان معاداة الشيطان بقوله : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) خلقا كثيرا ، بأن دعاهم إلى الإغواء والإضلال. وقرأ يعقوب بضمّتين (١). وابن كثير وحمزة والكسائي بهما مع تخفيف اللام. وابن عامر وأبو عمرو بضمّة وسكون مع التخفيف. والكلّ لغات. (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) فإنّه وضح إضلاله لمن له أدنى عقل ورأي. وفي هذا بطلان مذهب أهل الجبر في أنّ الله سبحانه أراد إضلالهم.
(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بها في دار التكليف ، حاضرة لكم تشاهدونها (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) الزموا العذاب بها ، وذوقوا حرّها. وأصل الصلاء : اللزوم. ومنه المصلّي الّذي يجيء في أثر السابق ، للزومه أثره. (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) بكفركم في الدنيا.
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) نمنعها عن الكلام ، فلا يقدرون على التكلّم (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ) بما عملوا (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) بظهور آثار المعاصي عليها ، ودلالتها على أفعالها. فسمّي ذلك شهادة منها ، كما تقول : عيناك تشهدان بسهرك ، أو بإنطاق الله إيّاها. وفي الحديث : أنّهم يجحدون ويخاصمون فيختم على أفواههم ، ويقال لأركانه : انطقي ، فتنطق بأعماله.
ثمّ أخبر سبحانه عن قدرته على إهلاك هؤلاء الكفّار الّذين جحدوا وحدانيّته ، فقال تهديدا لهم :
__________________
(١) أي : جبلّا.