ويحتمل أن يقسم الله سبحانه بطوائف الأجرام المرتّبة كالصفوف المرصوصة ، والأرواح المدبّرة لها ، والجواهر القدسيّة المستغرقة في بحار القدس ، الزاجرين أنفسهم عمّا يبعّدهم عن امتثال أوامر الله ، يسبّحون الليل والنهار لا يفترون.
والعطف لاختلاف الذوات أو الصفات. والفاء لترتيب الوجود ، كقوله : يا لهف زيّابة للحارث الصابح فالغانم فالآيب. كأنّه قال : الّذي صبح فغنم فآب. فهنا الصفّ كمال ، والزجر تكميل بالمنع عن الشرّ ، أو الإشاقة إلى قبول الخير ، والتلاوة إفاضته.
أو الفاء للرتبة ، كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رحم الله المحلّقين فالمقصّرين».
غير أنّه لفضل المتقدّم على المتأخّر ، وهذا للعكس ، فإنّ الطوائف الصافّات ذوات فضل ، والزاجرات أفضل ، والتاليات أبهر فضلا.
وإنّما لم يقل : فالتاليات تلوا ، كما قال : (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) لأنّ التالي قد يكون بمعنى التابع ، ومنه قوله تعالى : (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) (١) ، فلمّا كان اللفظ مشتركا بيّنه بما يزيل الإبهام.
وأدغم أبو عمرو وحمزة التاءات فيما يليها لتقاربها ، فإنّها من طرف اللسان وأصول الثنايا.
(إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) جواب للقسم. والفائدة فيه تعظيم المقسم به ، وتأكيد المقسم عليه ، لما فيها من الدلالة على توحيده وصفاته العلى.
ثمّ حقّق مضمون المقسم عليه بقوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : خالقهما ومدبّرهما (وَما بَيْنَهُما) من سائر الأجناس ، من الحيوانات والنباتات والجمادات (وَرَبُّ الْمَشارِقِ) فإنّ وجود هذه الأمور وانتظامها على الوجه الأكمل مع إمكان غيره ، دليل على وجود الصانع الحكيم ووحدته ، على ما مرّ غير مرّة. و «ربّ» بدل
__________________
(١) الشمس : ٢.