فيه بالإضافة إليهم وإلى من قبلهم سواء ، فإنّ من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ، ولم يصعب عليه اختراعها ، كان خلق جنس البشر من طين لازب ـ أي : لازم ، لاصق عليه ـ أهون وأيسر.
وتقريره : أنّ استحالة ذلك إمّا لعدم قابليّة المادّة ، ومادّتهم الأصليّة هي الطين اللازب غير الموصوف بالصلابة والقوّة ، الحاصل من ضمّ الجزء المائي إلى الجزء الأرضي ، وهما باقيان قابلان للانضمام بعد. وقد علموا أنّ الإنسان الأوّل إنّما تولّد منه ، إمّا لاعترافهم بحدوث العالم ، أو بقصّة آدم ، وشاهدوا تولّد كثير من الحيوانات من الطين بلا توسّط مواقعه ، فلزمهم أن يجوّزوا إعادتهم كذلك. وإمّا لعدم قدرة الفاعل ، فإنّ من قدر على خلق هذه الأشياء قدر على ما لا يعتدّ به بالإضافة إليها ، فإنّه بدأهم أوّلا من الطين السخيف الضعيف ، وقدرته ذاتيّة لا تتغيّر.
(بَلْ عَجِبْتَ) من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة وإنكارهم للبعث (وَيَسْخَرُونَ) من تعجّبك وتقريرك للبعث.
وقرأ حمزة والكسائي بضمّ التاء ، أي : بلغ كمال قدرتي وكثرة خلائقي بحيث إنّي تعجّبت منها ، وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها. أو عجبت من أن ينكر البعث ممّن هذه أفعاله ، وهم يسخرون ممّن يجوّزه. والعجب من الله إمّا على الفرض والتخييل ، أو على معنى الاستعظام اللازم له ، فإنّه روعة تعتري الإنسان عند استعظامه الشيء ، والله عزوجل لا يجوز عليه الروعة. وبهذا المعنى ما ورد في الحديث من إضافة العجب إلى الله ، حيث قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عجب ربّكم من شابّ ليس له صبوة» (١). وقيل : إنّه مقدّر بالقول ، أي : قل يا محمّد : بل عجبت.
(وَإِذا ذُكِّرُوا) وإذا وعّظوا بشيء (لا يَذْكُرُونَ) لا يتّعظون به. أو إذا ذكر لهم ما يدلّ على صحّة الحشر لا ينتفعون به ، لعدم استعمالهم الفكر والتدبّر
__________________
(١) أي : جهلة الصبيان.