(الشَّياطِينُ) كما يزعمه بعض المشركين (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) وما يصحّ للشياطين أن يتنزّلوا به (وَما يَسْتَطِيعُونَ) ذلك ، ولا يقدرون عليه ، لأنّ الله تعالى يحرس المعجزة عن أن يموّه بها المبطل.
(إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ) لكلام الملائكة (لَمَعْزُولُونَ) لمصروفون مرجومون بالشهب ، لأنّه مشروط بمشاركة في صفاء الذات ، وقبول فيضان الحقّ ، والانتقاش بالصور الملكوتيّة ، ونفوسهم خبيثة ظلمانيّة شرّيرة بالذات ، لا تقبل ذلك. والقرآن مشتمل على حقائق ومغيّبات لا يمكن تلقّيها إلّا من الملائكة.
(فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) بسبب ذلك. قد علم عزّ اسمه أنّ ذلك لا يكون ، ولكنّه أراد أن يحرّك نبيّه ويهيّجه ، لازدياد الإخلاص والتقوى.
وفيه تنبيه لسائر المكلّفين ، كما قال : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) (١). (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) (٢). (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٣).
(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) رهطك الأدنين ، بالإفصاح من غير تليين بالقول ، الأقرب منهم فالأقرب. وإنّما خصّهم بالذكر تنبيها على أنّه ينذر غيرهم ، وأنّه لا يداهنهم لأجل القرابة ، ليقطع طمع الأجانب عن المداهنة في الدين.
وقيل : إنّه عليهالسلام أمر بأن يبدأ بهم في الإنذار والدعاء إلى الله ، ثمّ بالّذين يلونهم ، كما قال : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) (٤). لأنّ ذلك هو الّذي يقتضيه حسن الترتيب.
وقيل : إنّما خصّهم لأنّه يمكنه أن يجمعهم ثمّ ينذرهم. وقد فعل ذلك صلىاللهعليهوآلهوسلم ،
__________________
(١) الحاقّة : ٤٤.
(٢) يونس : ٩٤.
(٣) الزمر : ٦٥.
(٤) التوبة : ١٢٣.