قوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (١). والمراد : أوتينا من كلّ شيء يؤتى الأنبياء والملوك.
روى الواحدي بالإسناد عن محمّد بن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، قال : اعطي سليمان بن داود ملك مشارق الأرض ومغاربها ، فملك سبعمائة سنة وستّة أشهر.
ملك أهل الدنيا كلّهم ، من الجنّ والإنس والشياطين ، والدوابّ والطير والسباع.
واعطي علم كلّ شيء ، ومنطق كلّ شيء. وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة الّتي سمع بها الناس ، وذلك قوله : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ).
(إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) أي : فضل لا يخفى على أحد. وهذا قول صادر منه على سبيل الشكر والمحمدة ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر» أي : أقول هذا القول شكرا ، ولا أقوله فخرا. ويحتمل أن يكون من قول الله سبحانه ، على وجه الإخبار بأنّ ما ذكره هو الفضل المبين.
(وَحُشِرَ) وجمع (لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) يحبس أوّلهم على آخرهم ، أي : توقف سلاف (٢) العسكر حتّى تلحقهم التوالي ، فيكونوا مجتمعين لا يتخلّف منهم أحد. عن ابن عبّاس. ومعنى ذلك : أنّ كلّ صنف من جنوده وزعة (٣) ترد أوّلهم على آخرهم ، ليتلاحقوا ولا يتفرّقوا.
روي : أنّ معسكره عليهالسلام كان مائة فرسخ في مائة ، خمسة وعشرون للجنّ ، وخمسة وعشرون للإنس ، وخمسة وعشرون للطير ، وخمسة وعشرون للوحش.
وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب ، فيها ثلاثمائة منكوحة ، وسبعمائة سريّة. وقد نسجت له الجنّ بساطا من ذهب وإبريسم ، فرسخا في فرسخ. وكان
__________________
(١) النمل : ٢٣.
(٢) سلاف العسكر : مقدّمته.
(٣) الوزعة : أعوان الملك وشرطه ، الولاة المانعون من محارم الله تعالى.