يوضع منبره في وسطه ، وهو من ذهب ، فيقعد عليه وحوله ستّمائة ألف كرسي من ذهب وفضّة. فيقعد الأنبياء على كراسيّ الذهب ، والعلماء على كراسيّ الفضّة ، وحولهم الناس ، وحول الناس الجنّ والشياطين. وتظلّه الطير بأجنحتها حتّى لا تقع عليه الشمس. وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح ، ومن الرواح إلى الصباح.
ويروى أنّه كان يأمر الريح العاصف تحمله ، ويأمر الرخاء تسيّره. فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض : أنّي قد زدت في ملك ، لا يتكلّم أحد بشيء إلّا ألقته الريح في سمعك. فيحكى أنّه مرّ بحرّاث فقال : لقد أوتي آل داود ملكا عظيما. فألقته الريح في أذنه ، فنزل ومشى إلى الحرّاث ، وقال : إنّما مشيت إليك لئلّا تتمنّى ما لا تقدر عليه. ثمّ قال : لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى ، خير ممّا أوتي آل داود. فركب على الريح ورجع إلى معسكره ، وأخذ في السير مع جنوده.
(حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) هو واد في الشام كثير النمل. وتعدية الفعل بـ «على» إمّا لأنّ إتيانهم من فوق ، أو لأنّ المراد قطع الوادي وبلوغ آخره. من قولهم : أتى على الشيء ، إذا أنفده وبلغ آخره. كأنّهم أرادوا أن ينزلوا منقطع الوادي.
(قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) حين رأتهم متوجّهين إلى الوادي ، أي : صاحتهم بصوت خلق الله لها. ولمّا كان صوتها مفهوما لسليمان عبّر عنه بالقول. ولمّا صاحت بهذه الصيحة نبّهت بها ما بحضرتها من النمال أيضا. وكانوا مقولا لهم كما في أولي العقل ، فشبّه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم ، وأجروا مجراهم في إسناد القول وضمير العقلاء. مع أنّه لا يمتنع أن خلق الله فيها العقل والنطق.
وقيل : كانت رئيسة النمل ، اسمها طاخية ، مأخوذة من ليلة طخياء ، أي : سوداء. وقيل : اسمها منذرة. وروي : أنّها كانت عرجاء ، تمشي على ثلاث قوائم ،