قناقنه (١) ، أي : دليله العالم البصير بالماء تحت الأرض ليحفر القنى (٢). والجمع القناقن بالفتح. وكان يرى الماء من تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة ، فيجيء الشياطين فيسلخونها كما يسلخ الإهاب ، ويستخرجون الماء.
روى العيّاشي بالإسناد قال : «قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليهالسلام : كيف تفقّد سليمان الهدهد من بين الطير؟ قال : لأنّ الهدهد يرى الماء في بطن الأرض ، كما يرى أحدكم الدهن في القارورة. فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه وضحك. قال أبو عبد الله عليهالسلام : ما يضحكك؟ قال : ظفرت بك. قال : وكيف ذاك؟ قال : الّذي يرى الماء في بطن الأرض ، لا يرى الفخّ في التراب حتّى يؤخذ بعنقه؟ قال أبو عبد الله عليهالسلام : يا نعمان أما علمت أنّه إذا نزل القدر أغشي البصر؟».
فلمّا تفقّد سليمان الهدهد ولم يجده ، أو عده على غيبته ، فقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) لأؤدّبنّه تأديبا بليغا ليعتبر به أبناء جنسه. وقيل : كان عذاب سليمان للطير أن ينتف ريشه ويشمّسه ، أو يلقى للنمل تأكله ، أو يودعه القفص ، أو يفرّق بينه وبين إلفه ، أو يلزمه صحبة الأضداد. وعن بعضهم : أضيق السجون معاشرة الأضداد. أو يلزمه خدمة أقرانه. على اختلاف الأقوال للمفسّرين والمؤرّخين.
(أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) لأقطّعنّ حلقه عقوبة على عصيانه (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجّة تبين عذره. والحلف في الحقيقة على أحد الأوّلين ، لأنّهما فعله. وأمّا حلفه على فعل الهدهد الّذي هو غير متيقّن لسليمان ، لأجل الإتيان بـ «أو» في الحكم ، فكأنّه قال : ليكوننّ أحد الأمور الثلاثة. يعني : إن كان الإتيان بالسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح ، وإن لم يكن كان أحدهما. وليس في هذا ادّعاء دراية أنّ
__________________
(١) القناقن : المهندس الّذي يعرف وجود الماء تحت الأرض. والجمع : قناقن. وليس هذا بعربيّ الأصل.
(٢) القنى جمع القناة.