الهدهد يأتي بسلطان مبين وإيقان منه. على أنّه يجوز أن يتعقّب حلفه بالفعلين وحي من الله بأنّه سيأتيه بسلطان مبين. فثلّث بقوله : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) عن دراية وإيقان.
وقرأ ابن كثير : أو ليأتينّني بنونين ، الأولى مفتوحة مشدّدة.
واعلم أنّ الله كان أباح له التعذيب لما رأى فيه من المصلحة ، كما أباح ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع. فإذا سخّر له الطير ، ولم يتمّ ما سخّر له من أجله إلّا بالتأديب والسياسة ، جاز أن يباح له ما يستصلح به.
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) زمانا غير مديد ، يريد به الدلالة على سرعة رجوعه خوفا منه. وقرأ عاصم بفتح الكاف.
روي : أنّ سليمان حين نزل حلّق (١) الهدهد فرأى هدهدا واقعا ، فانحطّ إليه فوصف له ملك سليمان وما سخّر له من كلّ شيء ، وذكر له صاحبه ملك بلقيس ، وأنّ تحت يدها اثني عشر ألف قائد ، تحت كلّ قائد مائة ألف ، وذهب معه لينظر ، فما رجع إلّا بعد العصر.
وروي : أنّه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان ، فنظر فإذا موضع الهدهد خال ، فدعا عرّيف الطير وهو النسر ، فسأله عنه ، فلم يجد عنده علمه. ثمّ قال لسيّد الطير وهو العقاب : عليّ به. فارتفعت فنظرت ، فإذا هو مقبل فقصدته.
فناشدها الله وقال : بحقّ الّذي قوّاك وأقدرك عليّ إلّا رحمتيني. فتركته وقالت : ثكلتك أمّك ، إنّ نبيّ الله قد حلف ليعذّبنّك. قال : وما استثنى؟ قالت : بلى أو ليأتينّي بعذر مبين. فلمّا قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرّها على الأرض تواضعا له. فلمّا دنا منه أخذ برأسه فمدّه إليه. فقال : يا نبيّ الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى. فارتعد سليمان وعفا عنه.
__________________
(١) حلّق الطائر : ارتفع في طيرانه واستدار كالحلقة.