والتدبير فيها.
(ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) ما أبتّ أمرا (حَتَّى تَشْهَدُونِ) إلّا بمحضركم. استعطفتهم نفوسهم ليمالؤها على الإجابة.
قيل : كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، كلّ واحد على عشرة آلاف. ولهذا (قالُوا) مائلين إلى القتال (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) أي : أصحاب قدرة وأهل عدد (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي : أصحاب شجاعة شديدة ، وأبناء حرب ، لا أبناء رأي ومشورة ، وأنت ذات الرأي والتدبير (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) مفوّض إليك في القتال وتركه (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) أي : ما الّذي تأمريننا به من المقاتلة والمصالحة ، لنمتثلك فيه ونطيع رأيك.
(قالَتْ) مجيبة لهم عن التعريض بالقتال (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) عنوة وقهرا (أَفْسَدُوها) أهلكوها وخرّبوها. تزييف لما أحسّت منهم من الميل إلى المقاتلة بادّعائهم القوى الذاتيّة والعرضيّة ، وإشعار بأنّها ترى الصلح مخافة أن يتخطّى سليمان خططهم ، فيسرع إلى إفساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم. ثمّ إنّ الحرب سجال لا تدرى عاقبتها.
(وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها) كبراءها وأشرافها (أَذِلَّةً) بنهب أموالهم ، وتخريب ديارهم ، إلى غير ذلك من الإهانة والأسر (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) تأكيد لما وصفت من حالهم ، وتقرير بأنّ ذلك من عاداتهم الثابتة المستمرّة. أو تصديق لها من الله عزوجل ، أي : وكما قالت هي.
ثمّ بيّنت ما ترى تقديمه في المصالحة ، وقالت : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ) إلى سليمان وقومه (بِهَدِيَّةٍ) أي : مرسلة رسلا بهديّة أصانعه (١) بها عن ملكي (فَناظِرَةٌ) فمنتظرة (بِمَ) بأيّ حال (يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) من قبول حتّى أعمل
__________________
(١) صانعه مصانعة : داهنه ، وداراه ، ورشاه.