فنظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق ، وقال : ما وراءكم؟ فأخبره رئيس القوم بما جاؤا له (قالَ أَتُمِدُّونَنِ) أتزيدونني (بِمالٍ) والاستفهام للإنكار ، أي : لا أحتاج إلى أموالكم. وقرأ يعقوب وحمزة : تمدّونّي بالإدغام. (فَما آتانِيَ اللهُ) من الملك العظيم الّذي لا مزيد عليه (خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) من الدنيا وأموالها (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) إذا أهدى بعضكم إلى بعض ، لأنّكم لا تعلمون إلّا ظاهرا من الحياة الدنيا ، فتفرحون بما يهدى إليكم ، حبّا لزيادة أموالكم ، أو بما تهدونه ، افتخارا على أمثالكم.
والهديّة : اسم المهدى ، كما أنّ العطيّة اسم المعطى. فتضاف إلى المهدي والمهدى إليه. تقول : هذه هديّة فلان ، تريد : هي الّتي أهداها ، أو أهديت إليه.
والمعنى : أنّ ما عندي خير ممّا عندكم ، وذلك أنّ الله آتاني الدين الّذي فيه الحظّ الأوفر ، والغنى الأوسع ، وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه ، فكيف يرضى مثلي بأن يمدّ بمال ويصانع به؟! والإضراب عن إنكار الإمداد بالمال عليه وتقليله إلى بيان ما حملهم عليه ، هو قياس حاله على حالهم في قصور الهمّة بالدنيا والزيادة فيها.
فأعطاه الرسول كتاب الملكة. فنظر فيه وقال : أين الحقّة؟ فأتي بها فحرّكها ، وجاءه جبرئيل فأخبره بما في الحقّة. فقال : إنّ فيها درّة يتيمة غير مثقوبة ، وجزعة مثقوبة معوجّة الثقب.
فقال الرسول : صدقت ، فاثقب الدرّة ، وأدخل الخيط في الخرزة.
فأرسل سليمان إلى الأرضة ، فجاءت فأخذت شعرة في فيها ، فنفذت فيها حتّى خرجت من الجانب الآخر. فجعل رزقها في الشجرة.
ثمّ قال : من لهذه الخرزة يسلكها الخيط؟ فقالت دودة بيضاء : أنالها يا رسول الله. فأخذت الدودة الخيط في فيها ، ودخلت الثقب حتّى خرجت من الجانب