الآخر. فجعل رزقها في الفواكه.
ثمّ ميّز بين الجواري والغلمان ، بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم.
فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ، ثمّ تجعله على اليد الاخرى ، ثمّ تضرب به الوجه. والغلام كما يأخذ من الآنية يضرب به وجهه. وكانت الجارية تصبّ على باطن ساعدها ، والغلام على ظهر الساعد. وكانت الجارية تصبّ الماء صبّا ، وكان الغلام يحدر الماء على يده حدرا. فميّز بينهما بذلك. هذا كلّه مرويّ عن وهب وغيره.
وقيل : إنّها أنفذت مع هداياها عصا كان يتوارثها ملوك حمير ، وقالت : أريد أن تعرّفني رأسها من أسفلها. وبقدح ماء ، وقالت : تملأها ماء رواء (١) ، ليس من الأرض ، ولا من السماء. فأرسل سليمان العصا إلى الهواء ، وقال : أيّ الرأسين سبق إلى الأرض فهو أسفلها. وأمر بالخيل فأجريت حتّى عرقت ، وملأ القدح من عرقها ، وقال : ليس هذا من ماء الأرض ، ولا من ماء السماء.
ثمّ ردّ الهديّة ، وقال للرسول : (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) إلى بلقيس وقومها. وقيل : الخطاب للهدهد محمّلا كتابا آخر. (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ) لا طاقة لهم (بِها) بمقاومتها ، ولا قدرة لهم على مقابلتها ، فإنّ حقيقة القبل : المقاومة والمقابلة ، أي : لا يقدرون أن يقابلوهم (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) من سبأ (أَذِلَّةً) بذهاب ما كانوا فيه من العزّ (وَهُمْ صاغِرُونَ) مهانون أسراء.
فلمّا ردّ سليمان عليهالسلام الهديّة ، وميّز بين الغلمان والجواري إلى غير ذلك ، ورجع الرسول إلى بلقيس ، وقال ما شاهد ، عرفت أنّه نبيّ مرسل ، وأنّه ليس كالملوك الّذين يغترّون بالمال ، وأنّها لا تقاومه. فتجهزّت للمسير إليه ، وجعل عرشها في آخر سبعة أبيات ، بعضها في بعض ، في آخر قصر من قصور سبعة لها ،
__________________
(١) الرّواء : الماء الكثير العذب المروي.