وتحقيقه : أنّه كما أنّ الخطاب الشفاهي مخصوص بحاضري مجلس الخطاب أو الموجودين في زمانه كما حقّقناه في الاصول ويتمّ الاستدلال في المعدومين أو الغائبين بانضمام دليل آخر من إجماع أو غيره ، فكذلك الرجحان المستفاد من فعله إنّما يتمّ على تقدير التسليم لزمانه عليهالسلام.
ودعوى استصحاب الرجحان إنّما تتمّ لو ثبت كون الرجحان ذاتياً للفعل ، لِمَ لا يكون بالوجوه والاعتبارات كما هو المحقّق.
فلعلّ تفريقه عليهالسلام غالباً لم يكن لحسنه بالذات ، بل لاقتضاء الوقت ذلك ، ولوجود شرطه للحاضرين دون الغائبين ، كمقاربتهم لزمان الجاهليّة ، وعدم اعتيادهم العبادات (١) ، سيّما والمستحبّ تأخير العشاء عن ذهاب الحمرة كما مرّ (٢) ، فحبسهم إلى ذهاب الحمرة كان يقتضي عسراً لهم وحرجاً.
وكذلك حبسهم في الهاجرة سيّما في الصيف في تلك البلاد حتى تؤدّى النوافل والصلاتين بأجمعها ، سيّما والتأخير في الحرّ راجح وإن كان في الظهر ، إلى غير ذلك من الوجوه.
ويؤيّد ما ذكرنا التزام أصحابنا الجمع في كلّ عصر ومصر ، وعدم ردع أئمّتهم عن ذلك ، والتزام العامّة التفريق حتى قال أكثرهم بالوجوب (٣) ، والرشد في خلافهم.
وكيف كان ، فالأظهر الاكتفاء في التفريق بالنوافل ، وأفضليّة التعجيل مع النافلة من التأخير إلى آخر وقت فضيلة الأُولى.
وهل يستحبّ الفصل لغير المتنفّل أيضاً ، بل لغير المعقّب أيضاً ، أو الفصل إنّما هو بالنافلة أو التعقيب ولا يستحب التفريق في غير المتنفل والمعقّب؟ الأظهر نعم ،
__________________
(١) في «ص» ، «ع» : عدم اعتبارهم بالعبادات.
(٢) في ص ١٣٢.
(٣) انظر بداية المجتهد ١ : ١٧٣ ، والمجموع ٤ : ٣٨٤ ، والمبسوط للسرخسي ١ : ١٤٩ ، والمغني ٢ : ١٢٢.