وأنت خبير بأنّ ملاحظة الجهة وامتناع اعتبار هذا التفاوت في النائي عادة ينفي هذه الملاحظة ، إلّا أن يكون ذلك حكماً تعبديّاً ذكر في الرواية علّة لأصل تشريعه ، ولا يلزم الاطراد ، ويشكل مع القول باعتبار جهة الكعبة مطلقاً كما هو المختار.
ويظهر من بعض الأصحاب الجواب كذلك مع قطع النظر عن القول بكون الحرم قبلة أهل الدنيا أيضاً ، بدعوى مزيّة بعض أجزاء البيت على بعض آخر. وهو أبعد من الأوّل بالنظر إلى الواقع ، وبالنظر إلى الرواية أيضاً.
وربّما يقال : وجه هذا الحكم التنبيه على لزوم التياسر عن قبلة مساجد العراق ، فإن أكثرها بنيت في خلافة الثاني وغيره ، وكانت محاريبها منحرفة إلى اليمين ، وعلّل في الرواية بما علل إسكاتاً لهم على وجه خطابي لأجل التقية ، وهو بعيد.
المطلب الثاني في الأحكام
وفيه مباحث :
الأوّل : يجب استقبال القبلة في الفرائض كلّها مع الاختيار بالكتاب (١) والسنة (٢) والإجماع ، بل البديهة من الدين.
وأما حال الاضطرار كالخوف والمطاردة وغيرهما فلا يجب ، لعدم التمكّن ، ولقوله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٣) فإنّها وردت في قبلة المتحيّر ،
__________________
(١) البقرة : ١٥٠.
(٢) الوسائل ٣ : ٢١٤ أبواب القبلة ب ١.
(٣) البقرة : ١١٥.