غير ذلك من الأخبار (١).
والظاهر أنّ المراد من دفع مضرّة المارّة والاستتار من المارّة هو ما يعمّ دفع ضررها بتوجّه الخاطر إليها ، وتشويش الحواسّ بسببها ، ومانعيّتها عن أفعال الصلاة ، وغير ذلك.
فالمطلوب أوّلاً وبالذات هو منعها من المرور مع الإمكان ، ثمّ تقليل أذيّتها ولو بجعل شيء بينه وبينها ، وسواء منعها عن الأذيّة ولو بسبب الالتفات بأن يكون حاجزاً رأساً ، أو لا ، فيكون مثل العصا والعنزة والقلنسوة والخط تصويراً للحاجز حسب ما أمكن تأديباً للنفس ، وتذكيراً وتوجيهاً لها إلى مكان معيّن ، حتّى لا تتفرّق.
وكأن ذلك تحديداً للنفس حتّى لا يمرّ عليها شيء من الخواطر ، فكما يستحبّ هذا التحديد لئلّا تمرّ المارّة الظاهريّة تجاه وجهه الظاهري ، فكذا يكون تنبيهاً على أنه لا بدّ أن لا يمرّ على خاطره شيء من الخواطر ، فالمطلوب التحرّز عن آفة المارّة الظاهريّة والباطنية ولو بمثل الخطّ ونحوه.
وعلى هذا فالحكمة في السترة باقية ولو أمِنَ هناك من ورود مارّة ، ولذلك عمّ استحبابها.
ولذلك يكره المرور بين يدي المصلّي أيضاً ، سواء كان له سترة أم لا ، وحرّمه بعض العامّة (٢) لرواية أبي جهم الأنصاري : «لو يعلم المارّ بين يدي المصلّي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمرّ بين يديه» (٣).
ثمّ إنّ الظاهر من هذه الأخبار استحباب التحرّز عن آفة المارّة ، وقد يفهم منها التسلّط على الدفع بمعنى أنّه لو قام المصلّي في أرض مباحة الأصل يحصل له
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٣٦ أبواب مكان المصلّي ب ١٢.
(٢) المغني لابن قدامة ٢ : ٧٥ ، نيل الأوطار ٣ : ٩.
(٣) صحيح البخاري ١ : ٩٩ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٦٨.