والقاعدة في الواجبات كونها تعبّدية ، إلّا أن يدلّ دليل على خلاف ذلك ، فلنصرف عنان الكلام في تأسيس الأصل والقاعدة وإتقانه حتى نعوّل عليه في جميع أبواب الفقه.
وليعلم أنّ الكلام في وجوب النيّة في الوضوء وغيره من الواجبات يؤول إلى التكلّم في أنّ الواجب هل هو تعبّدي حتى يتوقّف سقوط الأمر به على إتيانه بعنوان الإطاعة ، أم توصّلي لم يتعلّق غرض الآمر في أمره إلّا بتحقّق ذات المأمور به في الخارج؟ فمتى وجدت في الخارج يسقط الأمر ، وأمّا بعد تسليم كونه تعبّديّا ، وأنّ المقصود إيجاده بعنوان الإطاعة لا مطلقا ، فلا وقع للتكلّم في اعتبار النيّة وعدمه ، إذ لا شبهة عقلا وعرفا في أنّ الإطاعة لا تتحقّق إلّا بإتيان المأمور به بداعي الأمر ، ضرورة أنّ الفعل لا يتّصف بكونه إطاعة للمولى إلّا إذا كانت الإطاعة مقصودة للفاعل ، فالتكلّم في وجوب النيّة بعد الفراغ عن كونه عبادة مستغنى عنه.
وبما ذكرنا ظهر ما في كلام صاحب الحدائق حيث قال : لا ريب في وجوب النيّة في الوضوء ، بل في جلّ العبادات.
والوجه فيه : أنّه لمّا كان الفعل من حيث هو ممكن الوقوع على أنحاء شتّى ، ولا يعقل انصرافه إلى شيء منها إلّا بالقصد إلى ذلك الشيء بخصوصه ، ولا يترتّب عليه أثر إلّا بذلك.
ثمّ أطنب بذكر بعض الأمثلة والشواهد والمؤيّدات الغير النقيّة عن النظر.
ومحصّل الجميع : أنّ الفعل لا يستند إلى الفاعل إلّا بالعناوين