من تلك الإرادة التفصيليّة ومن ذلك الأمر المركوز في الذهن ، فإنّ هذا الأمر الباقي أيضا من سنخ الإرادة ، وقد صرّح المحقّق الطوسي ـ قدسسره ـ في التجريد بذلك حيث قال : والحركة إلى مكان تتبع إرادة بحسبها ، وجزئيّات تلك الحركة تتبع تخيّلات وإرادات جزئيّة يكون السابق من هذه علّة للسابق المعدّ لحصول حركة أخرى ، فتتّصل الإرادات في النفس والحركات في المسافة إلى آخرها (١). انتهى.
وتوضيح محلّ الخلاف : أنّهم بعد اتّفاقهم ظاهرا ـ على ما يشهد به حكم العقل والعقلاء ـ في أنّ حدوث النيّة الباعثة على الفعل لا بدّ وأن تكون منبعثة عن تصوّر الفعل وغايته ، واختلفوا في أنّ النيّة هل هي هذه الإرادة التفصيليّة ، أم هي أعمّ منها وممّا يبقى مركوزا في الذهن ، مؤثّرا في اتّصاف أجزاء العمل بكون كلّ منها عملا اختياريّا ، كالمجموع؟ قال شيخنا المرتضى ـ رحمهالله ـ بعد تحريره محلّ النزاع كما حرّرناه : ويمكن أن يجعل خلافهم ـ بعد اتّفاقهم على كون النيّة هي الإرادة التفصيليّة المتوقّفة على الإخطار ـ في أنّ المعتبر مقارنة تلك الإرادة لنفس المأمور به ، أو تكفي مقارنتها لما يتعلّق به ممّا يعدّ معه فعلا واحدا؟
والأظهر في كلماتهم جعل محلّ الخلاف هو الأوّل (٢). انتهى.
أقول : وجه الأظهرية ظاهر.
وكيف كان ، فالأقوى ما اختاره المتأخّرون ، لعدم الدليل على اعتبار
__________________
(١) تجريد الاعتقاد : ١٣٦.
(٢) كتاب الطهارة : ٨١.