ولا يخفى عليك أنّ هذا المعنى الذي يظهر من السيّد ماله إلى إنكار السراية رأسا حتّى بالنسبة إلى النجاسات العينيّة.
لكنّ الظاهر بل المقطوع به : أنّ محطّ نظر هؤلاء الجماعة ـ كما هو صريح العبارة المحكيّة عن الحلّي ـ إنّما هو إنكار كون الأجسام الجامدة المتأثّرة بملاقاة النجاسات كأعيانها من حيث الحكم ، وأمّا المائعات الملاقية لها التي تتأثّر ذواتها بملاقاة النجس فلا خلاف في كونها كأعيانها في وجوب إزالتها عن الثوب والبدن وغيره من آثار النجس ، كما يشهد بذلك : التدبّر في كلماتهم.
ثمّ إنّا وإن استظهرنا من الحلّي والسيّد القول بمنع السراية لكنّ القائل به صريحا إنّما هو المحدّث الكاشاني ، ولذا جلّ من تأخّر عنه ـ ممّن تعرّض لإبطال هذا المذهب ـ جعلوه من متفرّداته ، وطعنوه بمخالفته للإجماع ، بل عن بعضهم الترقّي عن ذلك ، وطعنه بمخالفته للضرورة.
أقول : إن أريد بالضرورة غير معناها الذي تقدّم (١) الكلام في كفر منكره ، فله وجه ، وإلّا فرميه بذلك غفلة من الرامي ، فإنّ ضروريّات الشرع في هذه الأعصار منحصرة في الأحكام الكثيرة الدوران في كلمات الشارع من الكتاب والسنّة القطعيّة ، كالصلاة والصوم والزكاة ونحوها ممّا لا تختفي شرعيّتها على من راجع الكلمات المعلومة الصدور من الشارع. وأمّا ما عداها من الأحكام وإن كانت إجماعيّة أو ضروريّة لدى المتشرّعة في هذه الأعصار بأن عرفها جميعهم بحيث لم يحتملوا خلافها ، فإثبات صدورها من الشارع ولو بعد تسليم كونها
__________________
(١) في ج ٧ ، ص ٢٧١ وما بعدها.