فإن قال قائل : بل الاحتياط يوجب الصلاة فيهما على الانفراد ، لأنّه إذا صلّى فيهما جميعا تبيّن وتيقّن بعد فراغه من الصلاتين معا أنّه قد صلّى في ثوب طاهر.
قلنا : المؤثّرات في وجوه الأفعال تجب أن تكون مقارنة لها لا متأخّرة عنها ، والواجب عليه عند افتتاح كلّ فريضة أن يقطع على ثوبه بالطهارة ، وهذا يجوّز عند افتتاح كلّ صلاة من الصلاتين أنّه نجس ، ولا يعلم أنّه طاهر عند افتتاح كلّ صلاة ، فلا يجوز أن يدخل في الصلاة إلّا بعد العلم بطهارة ثوبه وبدنه ، لأنّه لا يجوز أن يستفتح الصلاة وهو شاكّ في طهارة ثوبه ، ولا يجوز أن تكون صلاته موقوفة على أمر يظهر فيما بعد.
وأيضا كون الصلاة واجبة وجه تقع عليه الصلاة ، فكيف يؤثّر في هذا الوجه ما يأتي بعدها ومن شأن المؤثّر في وجوه الأفعال أن يكون مقارنا لها لا يتأخّر عنها على ما بيّنّاه! إلى أن قال : وليس لأحد أن يقول : إنّه بعد الفراغ من الصلاتين يقطع على براءة ذمّته ، وأنّ العبادة مجزئة.
قلنا : لا يصحّ ذلك ، لأنّ بعد الفراغ قد سقط عنه التكليف ، وينبغي أن يحصل له اليقين في حال ما وجب عليه ، وينبغي أن يتميّز له في حال ما وجب عليه حتّى يصحّ منه الإقدام عليه ، ويميّزه له ، وذلك يكون قبل فراغه من الصلاة (١). انتهى.
أقول : قد تقدّم الكلام في تحقيق النيّة ـ المعتبرة في صحّة العبادة ـ في نيّة
__________________
(١) السرائر ١ : ١٨٤ ـ ١٨٦.