كما أنّ العلماء لم يفرّقوا أيضا في الاستحالة بين النجس والمتنجّس ، كما لا يخفى على المتتبّع ، بل جعل بعضهم الاستحالة مطهّرة للمتنجّس بالأولويّة الجليّة حتّى تمسّك بها في المقام من لا يقول بحجّيّة مطلق الظنّ (١). انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول : ما ذكره قدس سرّه في غاية الجودة ، إلّا أنّه يظهر منه تسليم مدّعى الخصم لو كانت الكلّيّة التي ادّعى عليها الإجماع مضمون دليل معتبر ، ولم تكن عنوانا انتزاعيّا من الأدلّة الخاصّة ، مع أنّ التحقيق يقتضي خلافه ، ضرورة أنّ النجاسة والطهارة وكذا الحلّيّة والحرمة ـ كخواصّ الأدوية ـ إنّما هي من عوارض الجسم الخارجيّ ، لا الطبيعة من حيث هي ، فمعروض الأحكام إنّما هو مصاديق الجسم ـ أعني أفراده ـ لا مفهومه ، فحكم كلّ فرد فرد مخصوص به لا يتعدّاه ، فلو قال الشارع مثلا : عذرة غير المأكول نجسة ، فتغذّى حيوان بعذرة إنسان وصارت العذرة عذرة له ، نحكم بنجاستها ، لكونها بنفسها موضوعا للحكم ، لا لبقاء نجاستها السابقة ، إذ لا يعقل بقاء نجاسة فرد متبدّل بفرد آخر ، لاستحالة انتقال العرض.
فإذا قال الشارع مثلا : كلّ ثوب لاقى نجسا ينجس ، وقلنا بأنّ المرجع في تشخيص موضوع الاستصحاب هو الأدلّة الشرعيّة ، لو لاقى ثوب نجاسة ، كالقميص مثلا ، ثمّ تغيّرت صورته وصار ثوبا آخر وشكّ في مدخليّة عوارضه المشخّصة في بقاء نجاسته ، لم يجر الاستصحاب.
ولو قال : كلّ كرباس لاقى نجسا ينجس ، جرى الاستصحاب في مثل
__________________
(١) فرائد الأصول : ٦٩٤ ـ ٦٩٥.