ولو سبقنا بعض مشايخنا المتأخّرين (١) إلى إنكار إطلاق كون المتنجّس منجّسا ، لجزمت بذلك ، إذ ليست مخالفة الأصحاب في هذه المسألة بأشكل من مخالفتهم في مسألة نجاسة البئر ، بل كانت مخالفتهم في تلك المسألة أشكل بمراتب ، لوضوح معروفيّة نجاسة البئر لدى المخالف والمؤالف من عصر الأئمّة عليهمالسلام ، ومغروسيتها في أذهان الرواة وغيرهم من العلماء ومقلّديهم ، دائرة على ألسنتهم وفي جميع كتبهم الفقهيّة حتّى ارتكزت في نفوس العوام على وجه لم يذهب أثرها إلى الآن ، ولذا كثيرا ما يسألون في موارد ابتلائهم عن حكم بئر ماتت فيها فأرة أو دجاجة أو غيرهما ، زاعمين نجاستها بذلك ، مع أنّ القول بها ـ على ما يظهر من بعض ـ قد نسخ منذ سنين متطاولة ربما تزيد عن ثلاثمائة سنة.
وأمّا هذه المسألة فلم نعثر على ما يشهد بمعروفيّتها على الإطلاق لدى
__________________
(١) قوله : «ولو سبقنا بعض مشايخنا المتأخّرين» إلى آخره.
أقول وأنا المصنّف لهذا الكتاب : ولقد عثرت بعد حين على كلام طويل للسيّد صدر الدين طاب ثراه ـ في حاشيته على المختلف ـ صريح في إنكار السراية من المتنجّسات مطلقا ، ونسبه كذلك إلى الحلّي وغيره ، ونقل عن المحقّق الخوانساري في شرح الدروس [مشارق الشموس : ٢٥٥] في مسألة الغسالة التأمّل في إثبات أن كلّ نجس منجّس بحيث يعمّ المتنجّسات ، وأطال الكلام في النقض والإبرام في إثبات مرامه ، من أراده فليراجع.
ولو تأمّلت فيما حرّرناه في تحقيق المقام ، لظهر لك أنّ ما ذهب إليه من إنكار السراية مطلقا حتى من المائعات الملاقية لأعيان النجاسات غير سديد ، وأنّ نسبته كذلك إلى الحلّي محلّ نظر.
ولكنّه قدسسره بعد أن ذكر حجج القائلين بالسراية قال ما لفظه : أقول : ما ذكرناه من حجج هذا القول من الأخبار إن سلّم دلالتها على تنجيس الملاقي للنجاسة لشيء آخر ، فلا يمكن دعوى دلالتها على المراتب الأخر وإن ذهب لا إلى نهاية ، وإنّما التعويل فيها على الإجماع ، فتأمّل ولا تقلّد ، فإن اطمأنّت نفسك به فاحكم واعمل بمقتضاه ، وأمّا الاحتياط فحديث آخر. انتهى. (منه رحمهالله).