الأولى؟
فقال : لما قال ـ عزّ وجلّ : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) وهي بيت المقدّس ، (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) ، إلّا لنعلم ذلك منه وجودا ، بعد أن علّمناه ، سيوجد ذلك إنّ هوى أهل مكّة كان في الكعبة. فأراد الله أن يبيّن متّبع محمّد ، فمن خالفه باتّباع القبلة الّتي كرهها. ومحمّد يأمر بها. ولمّا كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس ، أمره بمخالفتها والتّوجّه إلى الكعبة ، ليبيّن من يوافق محمّد فيما يكرهه فهو يصدّقه ويوافقه. ثمّ قال : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) إنّما كان التّوجّه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت ، كبيرة إلّا على من يهدي الله. نعرف أنّ الله يتعبّد بخلاف ما يريده المرء ، ليبتلي طاعته في مخالفة هواه.
والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة].(١) (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) ، أي : صلاتكم.
روى العيّاشيّ (٢) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن الإيمان ، أقول هو وعمل؟ أم قول بلا عمل؟
فقال : الإيمان عمل كلّه ، والقول بعض ذلك العمل المفترض من الله ، مبيّن في كتابه ، واضح نوره ، ثابتة حجّته ، يشهد لها الكتاب. ويدعو إليه. ولمّا أن صرف نبيّه إلى الكعبة ، عن بيت المقدس ، قال المسلمون للنبيّ ـ صلّى الله عليه وآله : أرأيت صلاتنا الّتي كنّا نصلّي إلى بيت المقدس ، ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا؟ وهم يصلّون إلى بيت المقدس.
فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ). فسمّى الصّلاة إيمانا. فمن لقى الله حافظا لجوارحه ، موقنا (٣) كلّ جارحة من جوارحه ما فرض الله عليه لقى الله مستكملا لإيمانه. وهو (٤) من أهل الجنّة. ومن خان في شيء منها وتعدّى ما أمر الله فيها ، لقى الله ناقص الإيمان.
وقرئ ليضيّع (بالتّشديد).
(إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ) : لا يضيع أجورهم.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٢) تفسير العياشي ١ / ٦٣.
(٣) المصدر : موفيا. وهو الظاهر.
(٤) ليس في المصدر.