(وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) ، أي : ينفعهم ، أو بالّذي ينفعهم.
والقصد به إلى الاستدلال بالبحر وأحواله وتخصيص الفلك بالذّكر ، لأنّه سبب الخوض فيه والاطّلاع على عجائبه. ولذلك قدّمه على ذكر المطر والسّحاب. لأن منشأهما البحر ، في غالب الأمر. وتأنيث الفلك ، لأنّه بمعنى السّفينة.
وقرئ بضمّتين ، على الأصل ، أو الجمع. وضمّة الجمع ، غير ضمّة الواحد ، عند المحققين.
(وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ) :
من الأولى ، للابتداء. والثّانية ، للبيان.
و «السّماء» يحتمل الفلك والسّحاب وجهة العلو.
(فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) بالنبات.
(وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) عطف على «أنزل». كأنّه استدلّ بنزول المطر وتكوّن النّبات به وبثّ الحيوانات في الأرض ، أو على أحياء. فإنّ الدّوابّ ينمون بالخصب ويعيشون بالماء.
و «البثّ» : النّشر والتّفريق.
(وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) في مهابّها وأحوالها.
وقرأ حمزة والكسائيّ على الإفراد.
(وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) : لا ينزل ولا يتقشّع ، مع أنّ الطّبع يقتضي أحدهما حتّى يأتي أمر الله.
وقيل (١) : المسخّر (٢) للرّياح تقلّبه في الجوّ ، بمشيئة الله تعالى. واشتقاقه من السّحب.
لأنّ بعضه يجرّ بعضا.
(لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٦٤) ، يتفكّرون فيها. وينظرون إليها ، بعيون عقولهم.
والكلام المجمل ، في الاستدلال بهذه الأمور ، إنّها ممكنة وجد كلّ منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة ، إذ كان من الجائز ، مثلا : أن لا تتحرّك السّموات ، أو بعضها كالأرض ، وأن تتحرّك بعكس حركتها ، وبحيث تصير المنطقة دائرة مارّة بالقطبين ، وأن لا يكون لها أوج وحضيض أصلا ، أو على هذا الوجه لبساطتها
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٣.
(٢) المصدر : مسخّر.