لم يروا منهم ما يعتقدون به جواز قتلهم. وإنّما حملهم على ذلك اتّباع الهوى. وهذا أشنع من أن يقتلوه بشيء يعتقدونه (١) جرما حقّا باعتقادهم الفاسد.
(ذلِكَ) ، أي : الكفر بالآيات وقتل الأنبياء ، صدر عنهم.
(بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (٦١) بسبب عصيانهم وتماديهم فيه.
فإنّ التّمادي في ضعاف الذنوب ، يؤدّي إلى شدادها ، كما أنّ المواظبة على صغار الطّاعات ، يؤدّي إلى تحرّي كبارها.
قال صاحب الكشّاف (٢) : كرّر الإشارة ، للدّلالة على أنّ ما لحقهم ، كما هو بسبب الكفر والقتل ، فهو بسبب ارتكابهم المعاصي واعتدائهم حدود الله.
وفيه نظر (٣). لأنّه لو كان التّكرير لذلك ، لكفى فيه أن يقول وبما عصوا. وقال : وعلى تقدير أن يكون ذلك إشارة إلى الكفر والقتل ، يجوز أن تكون «الباء» بمعنى مع ، أي : ذلك الكفر والقتل ، مع ما عصوا. والأحسن ما قرّرناه ، لرعاية اتّساق الكلام.
وإنّما جوّزت الإشارة بالمفرد إلى شيئين ، على تأويل ما ذكر ، أو ما تقدّم ، للاختصار. ونظيره في الضّمير قول رؤبة :
فيه خطوط من سواد وبلق |
|
كأنّه في الجلد توليع البهق |
فإن قيل كيف يجوز التّخلية بين الكفّار وقتل الأنبياء؟ أجيب بأنّه إنّما جاز ذلك ، لينال أنبياء الله سبحانه من رفع المنازل والدّرجات ، ما لا ينالونه بغير القتل. قال الشّيخ الطّبرسيّ (٤) : وليس ذلك بخذلان لهم ، كما أنّ التّخلية بين المؤمنين والأولياء والمطيعين وبين قاتليهم ، ليست بخذلان لهم. (هذا كلامه.) والأجود التّفصيل ، بأنّه ليس بخذلان ، بمعنى إنزال العذاب وسوء عاقبة الدّار وغير ذلك مما ينبئ عن خذلان الآخرة وحرمان المثوبة. والمرويّ عن الحسن أنّ من (٥) قتل من الأنبياء ، قد قتل بغير قتال. وأنّ الله لم يأمر نبيّا بالقتال ، فقتل فيه.
والمذكور في مجمع البيان (٦). «أنّ الصّحيح ، أنّ النّبيّ إن كان لم يؤدّ الشّرع الّذي أمر بتأديته ، لم يجز أن يمكّن الله سبحانه من قتله. لأنّه لو مكّن من ذلك ، لأدّى إلى أن يكون
__________________
(١) أ : يعتقدوه.
(٢) الكشاف ١ / ١٤٦.
(٣) أ : نظرا.
(٤) مجمع البيان ١ / ١٢٥.
(٥) كذا في أ. وفي الأصل ور : ما
(٦) مجمع البيان ١ / ١٢٥.