قال : وممّا يسأل على القول الأوّل أن يقال : إذا كان «ثمّ» للتّرتيب ، فما معنى التّرتيب هاهنا؟ وقد روى أصحابنا في جوابه : أنّ هاهنا تقديما وتأخيرا. وتقديره : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن زيد الشّحّام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله : (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) قال : أولئك قريش. كانوا يقولون نحن أولى النّاس بالبيت. ولا يفيضون إلّا (٢) من المزدلفة : فأمرهم الله أن يفيضوا من عرفة.
وعن رفاعة (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال سألته عن قول الله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ). قال : إنّ أهل الحرم كانوا يقفون على المشعر الحرام ويقف النّاس بعرفة ولا يفيضون حتّى يطلع عليهم أهل عرفة. وكان رجل يكنّى أبا سيّار. وكان له حمار فاره. وكان يسبق أهل عرفة. فإذا طلع عليهم قالوا : هذا أبو سيّار. ثمّ أفاضوا. فأمرهم الله (٤) أن يقفوا بعرفة وأن يفيضوا منه.
وعن معاوية بن عمّار (٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ). قال : هم أهل اليمن.
وفي روضة الكافي (٦) : ابن محبوب ، عن عبد الله بن غالب ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيّب قال : سمعت عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ يقول : إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فقال : أخبرني إن كنت عالما ، عن النّاس وعن أشباه النّاس وعن النّسناس.
فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام : يا حسين! أجب الرّجل.
فقال الحسين ـ عليه السّلام : أمّا قولك أخبرني عن النّاس ، فنحن النّاس.
ولذلك قال الله ـ تبارك وتعالى ذكره ـ في كتابه : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ).
فرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الّذي أفاض بالنّاس. وأمّا قولك عن (٧) أشباه النّاس ،
__________________
(١) تفسير العيّاشي ١ / ٩٦ ، ح ٢٦٣.
(٢) ليس في ر.
(٣) نفس المصدر ١ / ٩٧ ، ح ٢٦٤.
(٤) «قالوا هذا أبو سيّار ثم أفاضوا فأمرهم الله» ليس في ر.
(٥) نفس المصدر ١ / ٩٨ ، ح ٢٦٩. وفيه جابر بدل معاوية بن عمار.
(٦) الكافي ٨ / ٢٤٤ ، ح ٣٣٩.
(٧) ليس في المصدر.