الجيف. ففكّر في نفسه ساعة. ثمّ قال : أنّى يحيى الله هؤلاء. وقد أكلتهم السّباع.
فأماته الله مكانه. وهو قول الله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) ، أي : أحياه.
فلمّا رحم الله بني إسرائيل وأهلك بخت نصر ، ردّ بني إسرائيل إلى الدّنيا. وكان عزير لمّا سلّط الله بخت نصر على بني إسرائيل ، هرب ودخل في عين. وغاب فيها. وبقي إرميا ميّتا مائة سنة. ثمّ أحياه الله. فأوّل ما أحيى منه عينيه في مثل غرقئ البيض. فنظر.
فأوحى الله إليه : (كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ : لَبِثْتُ يَوْماً).
ثمّ نظر إلى الشّمس قد ارتفعت. فقال : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
فقال الله تبارك وتعالى : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ. فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) ، أي : لم يتغيّر. (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ. وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ. وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً).
فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه ، وإلى اللّحم الّذي قد أكلته السّباع يتآلف إلى العظام ، من هاهنا وهاهنا ، ويلتزق بها حتّى قام وقام بها حماره.
فقال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فقد ظهر لك من تلك الأخبار ، أنّ تلك الحكاية وقعت بالنّظر إلى عزير وإرميا ، كليهما. ويمكن أن يكون قوله : «أو كالّذي مرّ على قرية إشارة إلى كليهما على سبيل البدل.
والقرية بيت المقدس حين خرّبه بخت نصر.
وقيل (١) : القرية التي خرج منها الألوف.
وقيل (٢) : غيرهما.
واشتقاقها من القرى. وهو الجمع.
(وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) : خالية ساقطة حيطانها على سقوفها.
(قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) : اعتراف بالقصور عن معرفة طريق الإحياء واستعظام ، لقدرة المحيي.
و «أنّى» في موضع نصب ، على الظّرف ، بمعنى متى ، أو على الحال ، بمعنى كيف.
__________________
(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣٥.