فقال بعض بني إسرائيل لموسى ـ عليه السّلام : لا ندري أيّهما أعجب : إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق ، أو إغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم؟
فأوحى الله إليه : يا موسى! قل لبني إسرائيل : من أحبّ منكم أن أطيّب في الدّنيا عيشه وأعظّم في جناني محلّه وأجعل لمحمّد وآله الطّيّبين فيها منادمته ، فليفعل كما فعل هذا الفتى : إنّه كان قد سمع من موسى ابن عمران ذكر محمّد وعليّ وآلهما الطّيّبين فكان عليهم مصلّيا ، ولهم على جميع الخلائق من الملائكة والجنّ والإنس مفضّلا. فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم.
ثمّ قال ـ عليه السّلام : فقال الفتى : يا نبيّ الله! كيف أحفظ هذه الأموال؟ وكيف لا أحذر عداوة من يعاديني فيها وحسد من يحسدني من أجلها؟
فقال له : قل عليه (١) من الصّلاة على محمّد وآله الطيبين ما كنت تقول ، قبل أن تنالها.
فقالها الفتى. فما رامها حاسد ، أو لصّ ، أو غاصب ، إلّا دفعه الله ـ عزّ وجلّ ـ بلطفه.
فلمّا قال موسى ـ عليه السّلام ـ للفتى ذلك ، قال المقتول المنشور : اللهمّ إنّي أسألك بما سألك به هذا الفتى ، من الصّلاة على محمّد وآله الطيّبين والتّوسّل بهم ، أن تبقيني في الدّنيا متمتّعا بابنة عمّي وتخزي أعدائي وحسّادي وترزقني منها كثيرا (٢) طيّبا.
قال : فأوحى الله إليه : يا موسى! إنّه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ، ستّون سنة. وقد وهبت له بمسألته وتوسّله بمحمّد وآله الطّيّبين ، سبعين سنة تمام. مائة وثلاثين سنة صحيحه حواسّه ، ثابتة فيها جنانه وقوّته وشهواته. يتمتّع بحلال هذه الدّنيا. ويعيش.
ولا يفارقها. ولا تفارقه. فإذا حان حينه ، حان حينها. وماتا جميعا. فصارا إلى جناني. وكانا زوجين فيها ناعمين.
ثمّ قال ـ عليه السّلام : فضجّوا إلى موسى ـ عليه السّلام ـ وقالوا : افتقرت القبيلة ودفعت إلى التّلف وأسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا؟ فادع الله تعالى لنا بسعة الرّزق.
فقال موسى ـ عليه السّلام : يا ويحكم! ما أعمى قلوبكم! أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما رزقه الله تعالى من الغنى! أو ما سمعتم دعاء (٣) المقتول المنشور وما أثمر
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) المصدر : أولادا كثيرا.
(٣) ليس في المصدر.