فمنهم من حمله على أنّه ضرورة ، ومنهم من جعل الضمير عائدا على الجزاء الذي يدلّ عليه «جزى» ، فيكون من باب قولهم : «من كذب كان شرّا له» ، أي كان الكذب شرّا له ، وكذلك قوله [من السريع] :
٤٥٦ ـ لمّا عصى أصحابه مصعبا |
|
أدّى إليه الكيل صاعا بصاع |
إن ثبتت هذه الرواية فهي محمولة على الضرورة ، ولا يجوز أن يعود الضمير على «العصيان» لأنّ التقدير يكون إذ ذاك : لما عصى أصحاب العصيان مصعبا ، وليس للعصيان أصحاب مختصون به معروفون كما للجزاء ربّ يختص به ، والرواية الصحيحة عند أهل البصرة :
لما عصى المصعب أصحابه |
|
أدّى إليه الكيل صاعا بصاع |
__________________
العاويات : نعت «الكلاب» مجرور. وقد : الواو : حالية ، قد : حرف تحقيق. فعل : فعل ماض مبنيّ على الفتح وسكّن للوقف ، والفاعل : هو.
وجملة (جزى ربّه ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (قد فعل) الفعليّة في محلّ نصب حال.
والشاهد فيه قوله : «جزى ربّه عنّي عديّ» حيث عاد الضمير في الفاعل «ربه» إلى المفعول «عديّ» ، والمفعول متأخّر لفظا ورتبة. وهذا ممنوع عند جمهرة النحاة ، وأجازه بعضهم.
٤٥٦ ـ التخريج : البيت للسفاح بن بكير في خزانة الأدب ١ / ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٦ / ٩٧ ؛ وشرح اختيارات المفضّل ص ١٣٦٢ (الحاشية) ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ١ / ٢٧٩ ؛ ولسان العرب ١٥ / ١٤٨ (فجا).
اللغة : مصعبا : هو مصعب بن الزبير ، وصاحبه يحيى بن شداد بن ثعلبة الذي قتل معه.
المعنى : عند ما انفض أصحاب مصعب عنه ، كان الوحيد الذي بادله الوفاء حتى قضى معه.
الإعراب : لمّا : اسم شرط غير جازم. عصى : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. أصحابه : فاعل مرفوع وهو مضاف ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. مصعبا : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. أدى : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). إليه : جار ومجرور متعلقان بالفعل (أدى). الكيل : مفعول به منصوب بالفتحة. صاعا : حال منصوب. بصاع : جار ومجرور متعلقان بالفعل (أدى) وسكّن لضرورة الشعر.
وجملة «لما عصى أصحابه مصعبا أدّى» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أدى إليه الكيل» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «عصى أصحابه» : مضاف إليها محلها الجر.
والشاهد فيه قوله : «عصى أصحابه مصعبا» : فقد تقدم الضمير هنا للضرورة على عائده.